قدمت فرقة مسرح الأفق بتطوان يوم 14 ماي بالمركز الثقافي تطوان مسرحية “بيك نيك” من تأليف فرناندو اربال وإخراج الفنان طارق الشاط بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للمسرح في اطار برنامج الجولات المسرحية الوطنية المدعمة من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل ـ قطاع الثقافة ـ موسم 2022، تم قدمت باقي برنامج عروضها المسرحية الناجحة يوم 17 ماي بالدار البيضاء ويوم 18 بسلا ويوم 20 بمدينة مراكش لتنهي بالتالي جولتها المسرحية الوطنية التي بدأتها في انتظار تنفيذ برنامج مسرحي جديد.
عرف هذا العرض الذي قدم بمدينة تطوان حضورا جماهيريا نوعيا من فنانون وأساتذة ومثقفين تفاعلوا مع العرض واستحسنوه واستمر لفترة تقارب ساعة من الزمن بشكل إيجابي وهادئ، خاصة وان العمل المسرحي تم أدائه بشكل غير مألوف وأكثر هزل وشاعرية وهو ما ادخل المشاهد في رحلة سفر الى عالم جديد وعالم مليء باللامنطقي منذ الصورة والكلمات الأولى وكأنها إشارة من مخرج العرض الى أن قواعد المنطق والعقل المألوف والواقع هو غائب تماما في هذا العرض وأن العرض يعيد بسط وتركيب واقتراح قواعد ومنطق جديدة من خلال أساليب الشخصيات المسرحية والصور والمؤثرات التي يقدمها العرض شبيهة بأسلوب الكرتون المحبوب للأطفال ومحبي الخيال والهزل، وكأننا مشاركين ممثلين وجمهورا في لعبة التخيل الممتعة نسافر عبر قصة الخيال كما الاطفال، من أجل أن يمرر العرض رسائل إنسانية كبيرة جدا تتعلق بمواضيع لا تنتهي هي : الحرب والحياة والموت والحب والانسجام والتسامح والتعايش …
وفي تصريح لرئيس الفرقة عبد السلام الصحراوي احد رواد المسرح المغربي الذي افنى حوالي 40 سنة في العمل المسرحي المتواصل منذ ريعان شبابه وشارك في عديد من الأعمال المسرحية والسينمائية كما سبق تكريمه مؤخرا من طرف وزارة الثقافة ضمن المهرجان الوطني للمسرح بتطوان الدورة 19، أكد أن فرقة مسرح الأفق تأسست سنة 1997 من طرف فنانين كبار ودكاترة في المسرح وانتجت عددا كبيرا من الاعمال المسرحية المحترفة والتربوية، كما قامت بتنظيم مهرجان المسرح التجريبي بتطوان الذي استضافت فيه عددا من الفرق المسرحية من الدول المختلفة، وشاركت في عدد من المهرجانات العربية والوطنية، ومن أهم اعمالها المسرحية الأخيرة وهي : بيك نيك، وخزة، بريسا، أوبرا بائعة الكبريت … وأفاد بأن مسرحية بيك نيك قد جاءت فكرة انتاجها من طرف أسماء غيورة على الفن المسرحي بتطوان في سياق حماسي في مرحلة معينة من التفكير ومراجعة الحسابات ومحاولة استجماع ولم شمل عددا من الأسماء الفنية العاملة بجد في قطاع المسرح بتطوان لتكون هذه التجربة بمثابة ورش مسرحي للانطلاقة من جديد، لهذا هو انتاج ذاتي بمعنى انتج العمل المسرحي من مساهمة الفرقة وخارج اطار دعم الانتاجات المسرحية ويشارك فيه فنانون من مدينة تطوان بنسبة مائة في المائة وهي اول فرقة مسرحية بتطوان تتمكن من الحصول على دعم وزارة الثقافة بطاقم فني وتقني من أبناء المدينة، وسبق تقديم المسرحية بعدد من مدن الجهة.
وفي تصريح أيضا لمخرج المسرحية طارق الشاط أفاد بان سياق مسرحية بيك نيك جاءت بعد عدد من التجارب المسرحية مختلفة من حيث الفرجة وأساليب العمل المسرحي، ومختلفة من حيث المدارس المسرحية والفئات المستهدفة التي اخرجها ضمن فرقة محترف الفدان للمسرح وأن مسرحية بيك نيك لم تكن وليدة الصدفة وإنما نتاج تخطيط وقناعة بضرورة صناعة عمل مسرحي منفتح يضم أسماء وقامات فنية مشتتة بالمدينة تجتمع ضمن عمل مسرحي متميز يكون بداية تجربة لسلسلة إبداعية جديدة نموذجية لما يطمح له الشارع الفني بالمدينة، ووفق قناعاته وابحاثه المسرحية والفنية المتوالية الجديدة، وتتطلع لهمومه وحساسيته الفنية والفرجوية كمخرج في كل مرحلة من المراحل، وأضاف قائلا وكما هو معروف فالحساسية الفنية هي متحركة وغير مستقرة في تجربة ونمط معين، يصعب حبسها وإيقاف مدها فهي كالسيل الجارف مستمرة باستمرار الممارسة، وبالتالي فهو لا يستطيع التنبؤ بالتجربة القادمة، غير أنه ما يستطيع تأكيده هو أن بداخله متمرد يبحث عن فرجة جمالية وشاعرية جديدة أكثر نضجا.
وأضاف في تصريح عن عرض مسرحية “بيك نيك” من المؤلفات المسرحية المشهورة جدا والتي تصنف ضمن مسرح العبث لمؤلفها فرناندوا أربال كتبها سنة 1952 وهو بالغ من العمر حوالي 20 سنة، تحكي قصة جندي وحيد في نوبة حراسة في حالة ملل وضجر من أجواء الحرب، وفجأة يزوره والداه ويودون مشاركته متعة أجواء الحرب ويظهر انهم مهووسون بالحرب واجوائها كأنها لعبة تماما، فتبدأ أجواء الاحتفالات وتوثيق الذكريات وتتوالى الحوارات والتساؤلات حول الحرب وقوانينها بين العائلة وبين اسير من كتيبة معادية، فتدور الأفكار وتتقدم الاحداث وتصحح المغالطات وينكشف جانب متحكم في فكرة الحرب، ويخلصون الى القناعة بلا جدوى من الحرب وبضرورة ايقافها ويتحدون حول فكرة لا للحرب ونعم للسلام، وفي هذه اللحظة تفاجئهم غارة جوية تنهي نزهتهم وعيدهم وحياتهم. واكد المخرج المسرحي في ختام تصريحه حول تجربة مسرحية بيك نيك معبرا إياها من اصعب المسرحيات وأكثرها تعقيدا وتركيبا قد تبدوا للمشاهد بسيطة ورسائلها واضحة لكنها بالواقع معفدة جدا ودقيقة، فنص المسرحية يدرس لدى طلبة التمثيل المسرحي بالمعاهد المسرحية من بينها المعهد العالي للفني المسرحي والتنشيط الثقافي، وبالتالي صعب جدا العمل عليها ومحاولة التغيير فيها بإزالة أو إضافة بعض الحوارات أو المفاهيم والصور الجمالية خارج النص لأن العمل على هذا النص بمثابة اللعب بالنار أو السير على حبل السيرك خوفا من السقوط في فخ الانتقادات وتكسير بناء العرض دراميا. لهذا كان الاعداد لهذا العمل وتنزيله مرهق حيث كنت امارس الرقابة على الحوارات والرسائل الارتجابة الجديدة والفلتات الضرورية اثناء ورشة الإنتاج في محاولة دائمة لربطها بأصلها وتركيبتها الدرامية، وفي محاولة لوضع التصور الفني والجمالي المقترح لعناصر العمل المسرحي، بشكل وقالب مختلف عن التجارب المسرحية الأخرى المقدمة لهذا العمل، ومنضبط مع البناء الدرامي للنص المسرحي وشخصياته، منوها أولا بمجهودات الطاقم الإداري للجمعية وخاصة عبد السلام الصحراوي وهشام عبو ونجيب عبو ومحمد صالح، ثم الطاقم العرض المسرحي الفني والتقني الذين ساهموا منذ بداية ورش المشروع في بناء العرض وكشف التصور الاخراجي وهم الممثلون : عبد السلام الصحراوي، هشام عبو، محمد صالح، عزيز العيساتي، مصطفى استيتو، عائشة بوشملات، والطاقم التقني : نجيب عبو في الإضاءة، انوار اهريكاس، وجابر ارفود في المحافظة العامة، اميمة الدياز في التوثيق والاعلام، عبد الرحمان بلخضر في الكرافيزم وفوزي الطنجبة في السينوغرافيا.
وفي تصريح أيضا لهشام عبو ونجيب عبو كعضوين أساسيين في الطاقم الاداري والفني في العرض المسرحي حول المشاريع المستقبلية للفرقة والعرض المسرحي، أفادوا بأن تجربة مسرحية بيك نيك هي تجربة فنية ممتعة وساهموا في نجاحها ماديا ومعنوية بكل حب وطواعية باعتبارها تجربة فريدة تجمع طاقم مكون من أبناء المدينة وهو ما راهنوا عليه من اجل تحقيقه منذ البداية من خلال هذا المشروع، وقد نجحوا في تحقيق هذا الرهان نسبيا في انتظار خوض بها تجربة الجولات المسرحية بالخارج وأن عرض مسرحية بيك نيك تستحق ان تشاهد بالخارج من طرف الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومن طرف الأجانب لكون رسائل العرض تحمل تيمة الحب والتسامح والسلام والتعايش الإنساني وتبادل الثقافات …. وبخصوص مشاريع الجمعية الأخرى فالجمعية قد وضعت برنامج مشاريع قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى وفق خط فني وجمالي مستمر تخلق الحدث وتستهدف فئات عمرية وثقافية مختلفة تساهم في تنشيط المحلي والجهوي والوطني، وأنها قريبا ستشرع في تنزيل مشروع فني مسرحي وثقافي سيكون له وقع كبير على المجال الثقافي بالمدينة. وأضافوا بأن الاكراه الوحيد التي يواجه الفرقة هو انعدام الدعم المالي واللوجستيكي للفرقة من طرف المؤسسات المنتخبة والشركات محليا وجهويا … وهو ما يؤثر بشكل فعلي في ولادة عدد من المشاريع الفنية والثقافية وفي استمرار التجارب الناجحة.
وفي ختام التصريح عبروا عن شكرهم للمنابر الإعلامية الجادة التي تهتم وتسلط الضوء على الأنشطة الثقافية والفنية بالمدينة والجهة وتكشف اكراهاتها وهمومها، ثم أكدوا جميعا على استعدادهم في الانخراط والمساهمة في جميع المبادرات الفنية والثقافية بالمدينة.