أنس الحسيسن
انتهت الألعاب الأولمبية، التي احتضنتها العاصمة الفرنسية، باريس، وبعد أكثر من أسبوعين من المنافسة لم تكن أية مفاجأة على مستوى سبورة الميداليات، فالدول التي استعدت جيدة لهذه التظاهرة الكونية، الأقدم تاريخيا، كان لها الحظ الأوفر في استحواذها على الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، ولم تخرج المراتب الأولى عن الدول، التي تحافظ على تألقها، وعلى قوتها الرياضية، التي تأتي من التخطيط المحكم والمدروس من خلال توظيف البحث العلمي في هذا الميدان.
المغرب هو الآخر حضر في دورة باريس بعد أن كان ممثلا 19 نوعا رياضيا، حيث وصل عدد المشاركين إلى ستين فردا، إضافة إلى منتخب كرة القدم، نصيب المغرب كان ميدالية ذهبية نالها العداء سفيان البقالي، وميدالية برونزية توج بها المنتخب الوطني لكرة القدم لأول مرة خلال جميع مشاركاته.
ما حصلت عليه المشاركة المغربية في أولمبياد باريس يطرح أكثر من سؤال لا يخرج عنوانه عن تراجع الرياضة المغربية، خاصة وأن بعض الرياضات كان يعول عليها في الوصول إلى منصات التتويج، كالملاكمة والجيدو، وغيرها، ولكنها عادت بخفي حنين، هذا في الوقت الذي رصدت إلى الجامعات المشاركة ميزانية مهمة بهدف التحضير الجيد، وحتى يكون التمثيل المغربي مشرفا وتكون الرياضة المغربية في الموعد.
حقيقة ما حصدته الرياضة المغربية، يؤكد أنها تعاني، فألعاب القوى، التي كانت ترفع الراية المغربية ظهرت بأداء ضعيف في تخصصات كان المغرب في فئة الرجال والسيدات يتنافس فيها بقوة على الميداليات.
أسئلة عديدة يعاد اجترارها بعد كل مشاركة أولمبية، تتطلب الإجابة عن أسرار تواصل الإخفاقات، إن كان الجواب يتجلى مع اختتام كل دورة أولمبية.
من الضروري أن تبادر الجامعات بعد دورة باريس إلى تقييم ما حققته من نتائج في ضوء ما خصص لها من إمكانات متعددة، وقد سارعت جامعة الملاكمة على حل اللجنة التقنية ورأت في ذلك حلا من الحلول بعد ما تبخر حلم الحصول على أية ميدالية من طرف نون النسوة بعد أن انحصرت المشاركة في ثلاث ملاكمات.
تراجع النتائج المغربية لا يمكن أن لا نربطها بالتكوين القاعدي، الذي من مرتكزاته الأساسية الرياضة المدرسية والجامعية، فالرياضة المدرسية خفت إشعاعها في السنوات الأخيرة، ولعل من أسباب ذلك ضعف التكوين، الذي يحصل عليه الممارس سواء في المدارس أو المؤسسات الجامعية، وهنا نتحدث عن المؤسسات العمومية أما في المؤسسات الخاصة فذاك موضوع آخر، فغالبا لا ينتبه إلى ما تقدمه المؤسسات الخاصة في هذا المجال، وكأن دورها أن لا تغيب فقط حصة الرياضة عن جدول الساعات الأسبوعية للتلميذ…
وإذا كان الحديث ذو شجون، فبعض الرياضات لم نعد نسمع عنها حتى القليل في المشهد الرياضي الوطني، فما بالك على الساحة الدولية، فرياضة الجمباز انحصر نشاطها، وقد لا نستغرب في ذلك فتطوان كانت بها قاعة متميزة مخصصة لرياضة الجمباز، وتخرج منها أبطال ذاع صيتهم وطنيا ودوليا، لكن أبوابها الآن موصدة، وهذه تنضاف إلى بعض القاعات الجديدة، التي تنتظر الافتتاح وتكوين الرياضيين حتى يصقلوا مواهبهم ، ويتحسن المردود، ومن ثم تكون هناك حظوظ الوصول إلى منصات التتويج، ونقطع مع شعار “المشاركة”، من خلال كسب التجربة والخبرة، وهذا ما ظهر في نسخة باريس ،وبات ذلك لصيق الرياضة الوطنية ونقطع مع هذا الواقع، وبدايته تحديد معايير واضحة للمشاركة في تظاهرة من حجم أولمبياد فرنسا، وهو ما قد يكون غاب في اختيار المشاركين في دورة باريس.
على أي ودعنا ألعاب باريس الأولمبية لسنة 2024، وبعد أربع سنوات ستجرى نسخة لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية، مدة تتطلب أن تعاد فيها الحسابات بعمق ومن أهمها عدم الاقتصار على طي صفحة باريس فقط، فهذا لايكفي.