مع اقتراب تنظيم كأس العالم 2030، الذي تستضيفه كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال، يعود مشروع الربط البحري بين إفريقيا وأوروبا عبر مضيق جبل طارق ليشغل الرأي العام من جديد.
ويعتبر هذا المشروع العملاق، الذي يُعد من أعظم تحديات الهندسة الحديثة، أكثر من مجرد رابط مادي بين القارتين، بل رمزًا للتعاون والشراكة بين المغرب وأوروبا، كما أشارت إلى ذلك كبريات الصحف العالمية، مثل “الباييس” الإسبانية، و”التلغراف” البريطانية، و”نيوزويك” الأمريكية.
يعود تاريخ فكرة ربط إفريقيا بأوروبا إلى عام 1869، لكن الخطوة الجدية الأولى بدأت في عام 1980 حين وقعت المغرب وإسبانيا اتفاقية لدراسة جدوى المشروع. وبعد دراسات وأبحاث طويلة، تم اعتماد فكرة بناء نفق بحري بطول 38.5 كيلومترًا، منها 27.7 كيلومترًا تحت قاع البحر، ليربط بين طنجة وطريفة في أقل من 30 دقيقة.
ويواصل المشروع اكتساب زخم جديد رغم الحواجز الجيولوجية المعقدة والتكلفة العالية. فقد قامت الحكومة الإسبانية مؤخرًا بتأجير أربعة أجهزة قياس زلزالي بقيمة 480,000 أورو لتحليل جيولوجيا المنطقة، وهي خطوة ضرورية لفهم طبيعة القاع البحري والتغلب على التحديات الفنية.
وأصبح المشروع جزءًا من مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا، خاصة بعد دعم مدريد لمبادرة الحكم الذاتي كحل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. ففي قمة فبراير 2023 بالرباط، أكدت وزيرة النقل الإسبانية السابقة أن النفق يُعد مشروعًا استراتيجيًا لكلا البلدين.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن وزير النقل الإسباني الحالي عن إعادة تفعيل اللجنة المشتركة المغربية-الإسبانية لدراسة الجدوى. ومع قرب تنظيم كأس العالم 2030، الذي سيتطلب بنية تحتية قوية لربط القارتين، يُنظر إلى المشروع على أنه عامل محوري لتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الشمال والجنوب.
وتشير الدراسات إلى وجود طبقات طينية وهياكل جيولوجية معقدة تجعل حفر النفق تحديًا كبيرًا. ومع ذلك، يهدف البحث السيسمولوجي الجديد إلى تحديث البيانات وتحديد مسارات بديلة قد تسهم في التغلب على هذه العقبات.
ويرى الخبراء أن هذا المشروع سيحدث طفرة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، ليس فقط للمغرب وشمال إفريقيا، بل أيضًا لإقليم الأندلس في إسبانيا. فالنفق سيمثل قناة جديدة للتجارة والاستثمار، بالإضافة إلى تعزيز مكانة المنطقة كجسر حيوي يربط بين القارتين.
ويؤكد مشروع نفق مضيق جبل طارق على الطموحات الكبيرة التي يحملها المغرب لتعزيز دوره كمحور إقليمي وعالمي. ومع اقتراب 2030، يبدو أن حلم “عناق” أوروبا وإفريقيا تحت مياه المضيق قد يتحول إلى حقيقة، ليصبح إنجازًا هندسيًا ورمزًا للتعاون التاريخي بين ضفتي المتوسط.