-ربيع الرايس
الأخبار التي تتداولتها بعض وسائل الإعلام حول الإجرام في مدينة طنجة أرقام مدهشة تؤكد ضعف الشعور بالأمان الذي ينتاب الناس وسط المدينة على الخصوص. فجرائم القتل التي عرفتها المدينة مؤخرا أمر جد مخيف! وتقول لنا الإحصائيات سنة 2023 بأنه تم بطنجة إيقاف 58496 ألف شخص و إحالتهم على القضاء (من بينهم أزيد من 35902 آلاف في حالة تلبس و22594 مبحوث عنهم) كما تم إنجاز 43800 تدخل ميداني للشرطة بعد الاتصال بالرقم 19.
تصوروا، 58496 ضمن ساكنة تقدر بمليون 275 آلاف و 428 مئة نسمة من بينهم 6919 أجنبي (حسب عملية إحصاء 2024)، أي أن الموقوفين يشكلون نسبة 4.58 % من مجموع السكان!
إنه رقم مهول حقا!
وأغلب الأشخاص الموقوفين تمت متابعتهم من أجل تهم السرقات بالعنف في الشارع العام والضرب والجرح تحت التهديد بالسلاح الأبيض، ، الأمر الذي فرض قيام مصالح الأمن بحملات واسعة حول حيازة الأسلحة البيضاء. إضافة طبعا إلى الموقوفين بسبب المتاجرة في المخدرات أو تداولها…
بطبيعة الحال، فالتواجد المكثف لرجال الأمن وسط المدينة، حيث تتمركز التجارة وكثافة وجود الساكنة أمر ضروري، لكن ما يقع يفوق مجرد الاحتياط الأمني… فنحن أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة قد تأتي على الأخضر واليابس… ألا وهي انفلات فئات واسعة من الشباب من كل مؤطرات الوجود المجتمعي المشترك لتبقى عرضة لكل أنواع الضياع والعنف، تجتمع حول “عصبية” رياضية أو “دربية” من منطلق قيم لا تؤمن سوى بالقوة كطريقة لإثبات الذات، الشيء الذي يضعنا أمام ظاهرة أعظم وأجل، ألا وهي ظاهرة انهيار كل أنواع السلط لأسباب يطول شرحها وتمتد عبر حقبة زمنية لا بأس بها… فالعائلة لم تعد تتحكم في شيء إن لم تشجع التهور و”القفيز”… أما الأحزاب والجمعيات فلم قد تقلص حجم تأطيرها إلى القليل المفيد.. في حين غاب دور المدرسة التأطيري… !
وإذا كانت قوى الأمن تشتغل كما يتجلى ذلك من الأرقام، فالمدينة تعاني بكل تأكيد من مشاكل تتجاوز طاقة كل حل أمني لوحده. طنجة تكبر عمرانيا وتكبر فيها فرص الشغل الفعلية والمتوهمة… فهي تستقطب القادمين من كل أنحاء المغرب، بل حتى من عمق إفريقيا. كما تمر من وضعية إعادة تشكل طويلة تستلزم مضاعفة إمكانياتها الأمنية وإرساء آليات لدراسة التطورات الاقتصادية والاجتماعية بل حتى النفسية للساكنة بها وذلك من أجل فهم ما يعتمل داخلها من عنف معبر عنه (بمختلف الأشكال، بما فيها الإجرام) أو كامن …وإلا فسيستفيق الجميع على وضع لا يمكن السيطرة عليه مستقبلا…