احتضنت مدينة تطوان، يوم الخميس الماضي، ندوة دولية رفيعة المستوى حول موضوع “التضليل الإعلامي والأخبار الزائفة: آليات هندسة وتوجيه الجمهور”، نظمتها الجمعية المتوسطية للصحافة الرقمية، بمشاركة إعلاميين وخبراء وأكاديميين من المغرب وتونس وفلسطين، وسط حضور نوعي لطلبة الإعلام وفعاليات من المجتمع المدني والسياسي.
تضليل إعلامي وسرديات مضادة
في كلمته الافتتاحية، أبرز الأستاذ الجامعي ونائب رئيس جماعة تطوان أنس اليملاحي أن ظاهرة التضليل الإعلامي لم تعد مسألة تقنية بحتة، بل تحوّلت إلى أداة استراتيجية تُستخدم لتثبيت سرديات وتفكيك أخرى، في سياقات النزاعات الجيوسياسية والصراعات الإيديولوجية. وسلّط الضوء على كيفيات توظيف هذه الظاهرة في استهداف قضية الصحراء المغربية، من خلال حملات ممنهجة تعتمد الأخبار المفبركة والادعاءات الكاذبة لتقويض السيادة الوطنية.
وأكد اليملاحي أن خصوم المغرب يوظفون منصات إعلامية رقمية بأساليب حديثة لخدمة أجنداتهم، مشددًا على أهمية بناء إعلام استراتيجي مقاوم، قادر على التصدي لموجات “التزييف المنظم” التي تخترق الفضاء العمومي وتؤثر على الرأي العام الوطني والدولي.
“التلقيح المعرفي” كنظرية مقاومة
الإعلامية التونسية خلود مبروك تناولت تطوّر مفهوم التضليل الإعلامي في ظل التحولات الرقمية الهائلة، مشيرة إلى أن التحديات لم تعد تتعلق فقط بتمييز المحتوى الزائف، بل بخلق بيئة معرفية قادرة على مواجهته. واستعرضت في مداخلتها مفهوم “التلقيح المعرفي” (Cognitive Inoculation)، وهي مقاربة تستند إلى تمكين الجمهور من أدوات التفكير النقدي عبر التوعية الاستباقية، ما يحد من تأثره بالخطابات التضليلية.
نموذج فلسطين: تهميش الدعم المغربي
من جهته، ركّز الدكتور ثائر نصار، مدير ماجستير الإعلام الرقمي بجامعة القدس، على نشأة مفهوم هندسة الجمهور، الذي يُقصد به التلاعب المدروس بسلوك المتلقي من خلال تقنيات التحليل النفسي والخوارزميات الرقمية. واستعرض نصار أمثلة من الحملات التضليلية التي تستهدف صورة المغرب، خاصة في علاقته بالقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن غياب تغطية كافية للدور الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس الشريف، يترك فراغًا يُستغل من طرف خصوم المغرب لنشر روايات زائفة تشوه حقيقة الدعم المتواصل الذي يقدمه المغرب للشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، دعا نصار إلى إنشاء مرصد إعلامي مستقل تكون مهمته رصد وتحليل الحملات الإعلامية المضللة، والعمل على تفنيدها بالمعلومة الدقيقة والتحليل الرصين.
نقاش مفتوح وتوصيات عملية
وقد أدار الجلسات الإعلامي المغربي محمد سعيد السوسي، رئيس الجمعية المتوسطية للصحافة الرقمية، الذي اعتبر أن التضليل الإعلامي يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الإعلام الجاد والمستقل، لاسيما في ظل اختلال التوازن بين تدفق المعلومات وغياب التأكد من صدقيتها.
شهدت الندوة تفاعلاً لافتًا من طرف المشاركين، الذين ناقشوا باستفاضة التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية، وأجمعوا على ضرورة إرساء ثقافة إعلامية نقدية، وتعزيز الأمن السيبراني المعلوماتي، إلى جانب دمج المواطنة الرقمية في البرامج التعليمية.
نحو مركز وطني لمكافحة التضليل
وفي ختام اللقاء، خلص المشاركون إلى ضرورة تأسيس مركز وطني لرصد الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي، يُعنى بإعداد تقارير دورية، وتنظيم حملات تحسيسية، والمساهمة في تكوين الصحفيين والفاعلين المدنيين حول آليات التحري والتثبت.
كما شددوا على أهمية بلورة استراتيجية إعلامية وطنية تضع قضية الصحراء المغربية في صلب أولوياتها الاتصالية، وتستثمر في بناء خطاب إعلامي موثوق، تفاعلي، ومستند إلى الحقائق.