سكايرية الاتحاد الاشتراكي… يسكرون بحب وهدوء

في مشهد عبثي لا يليق بمقام السياسة ولا بحرمة المجتمع، خرج أحد قيادات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على الملأ وأمام عدسات الإعلام، ليدلي بتصريح أقل ما يقال عنه إنه مستفز وعديم المسؤولية، حين قال: “السكايرية ديالنا كيشربوا بهدوء وعن حب!”
هكذا، ببساطة واستخفاف، اختار هذا القيادي أن يختزل صورة الحزب، بل وربما صورة المناضل، في نموذج «السكير المحبوب»، كما لو أن تعاطي الخمر سلوك عادي يمكن التباهي به، مادام يتم في “هدوء” ومن منطلق “عاطفي”! وكأننا أمام مشهد رومانسي في فيلم، لا أمام فعل محرّم شرعًا، ومستهجَن أخلاقًا، ومجرَّم في القانون المغربي.
أن يصدر هذا الكلام من شخص عادي، لربما مرّ مرور الكرام، رغم فداحته. لكن أن يُقال في مؤتمر حزبي، وأمام جمع من المنتمين والمناصرين، وفي دولة إسلامية تجرّم وتحرم الخمر، فذلك سقوط أخلاقي لا يمكن السكوت عنه. إنه انحدار في الخطاب السياسي، وضرب لمصداقية الحزب، واستهانة سافرة بالمشاعر الدينية والوطنية لعموم المغاربة.

لقد ناضل حزب الاتحاد الاشتراكي في ماضيه من أجل الكرامة والعدالة والحرية، وكان، يومًا ما، صوتًا من أصوات الضمير الوطني. أما اليوم، ومع تصريحات كهذه، فإن السؤال الذي يُطرح بإلحاح: إلى أين يسير هذا الحزب؟ وأي نموذج أخلاقي وسياسي يقدّمه لعموم الشعب؟ وهل أصبح الدفاع عن «حق الرفيق في السكر» أهم من قضايا المواطن التي تنخرها البطالة، ورداءة التعليم، وضعف الصحة، وغلاء المعيشة؟

المنابر الحزبية، ومهما بلغت جرأة أصحابها، ليست مكانًا للتهريج أو السخرية من القيم، وليست ساحة لتبييض السلوكات المنحرفة. بل هي مسؤولية ثقيلة، تتطلب احترامًا للثقافة العامة، وتعبيرًا مسؤولًا يرقى إلى مستوى وعي المواطنين وانتظاراتهم.
إن هذا التصريح لا يمس فقط بصورة الحزب، بل يسيء إلى كل مناضل شريف، وكل مواطن غيور، وكل شاب فقد ثقته في السياسة بسبب هذه السقطات المتكررة. فكيف نطالب الشباب بالانخراط في العمل السياسي ونحن نقدّم لهم “السكير المثالي” كنموذج للمناضل الحزبي؟
المطلوب الآن ليس مجرد صمت أو تبرير. بل اعتذار واضح، وموقف رسمي من الحزب يعبّر عن احترامه للمغاربة، ولدينهم، ولقيمهم. فالصمت في هذه الحالة يعني التواطؤ، والتمادي في تبرير السقوط يعني قتل ما تبقّى من أخلاق في السياسة.
في مغرب اليوم، نحتاج إلى قيادات تزرع الأمل، لا إلى من يُضحكون الناس على حساب المبادئ. نحتاج إلى أحزاب تتحدث عن التنمية، لا عن «الحب والسُّكر». نحتاج إلى من يخاطب عقولنا وضمائرنا، لا غرائز الضحك والتطبيع مع الفساد الأخلاقي.
فكفى عبثًا. وكفى انحدارًا.

Loading...