صدى تطوان
لا يختلف اثنان على حقيقة كون تهاطل الأمطار الغزيرة ظاهرة طبيعية قاهرة؛ فليس على وجه البسيطة من يستطيع إيقاف أو التحكم في قوة السيل المنهمر من السماء. هذا أمر مفروغ منه. لكن، ما لا يمكننا التسليم به أو قبوله هو استمرار الغرق في كل موسم مطر، وتكرار نفس المشاهد المزرية للفيضانات التي تجتاح مدن الشمال، وتشل الحياة العامة، وتكبد المواطنين والمقاولات خسائر لا حصر لها.
المشكلة، في جوهرها، لم تعد طبيعية بقدر ما أصبحت مشكلة سوء تدبير مزمن يقع على عاتق الشركة المفوض لها تدبير قطاع التطهير السائل وتصريف مياه الأمطار: شركة “أمانديس”.
لقد مرت عقود من الزمن على تولي هذه الشركة لمهمتها، وهي فترة كافية ليس فقط لإنجاز دراسات “علمية” وفعالة، بل لتنفيذ مشاريع بنية تحتية جذرية تنهي هذا الكابوس المتكرر. ومع ذلك، نجد أنفسنا، سنة بعد سنة، أمام نفس “النقط السوداء” بتطوان التي لم يتم معالجتها مطلقًا. هذه النقاط، التي تتحول إلى بحيرات وأنهار طينية عند أول زخات مطر، ليست أسرارًا خفية؛ بل هي مكشوفة ومعروفة للجميع، وموثقة في أرشيف الشكايات والتدخلات على مدى سنين طويلة.
إن فشل “أمانديس” في تقديم حلول مستدامة لتصريف مياه الأمطار عبر “قنوات فعالة” يثير عدة تساؤلات حول جدية وجودة الدراسات المنجزة، بل وحول الأولوية الممنوحة لهذا الملف الحيوي. هل يعقل أن شبكة التطهير المصممة لمدننا لم يتم تحديثها أو تعزيز قدرتها الاستيعابية لتتماشى مع النمو الحضري المتزايد والتغيرات المناخية التي ترفع من منسوب الأمطار؟
المواطن لا يطلب المستحيل، بل يطلب الأساسيات: شبكة تصريف قادرة على استيعاب الكميات الكبيرة من المياه دون أن تغرق المنازل والمحلات التجارية والشوارع الرئيسية. هذا حق أصيل مقابل الفواتير التي يدفعها، والتي تتضمن تكلفة خدمات التطهير.
لقد حان الوقت لوضع حد لهذه المهزلة المتكررة. يجب على الجهات الوصية والمنتخبة أن تتدخل بقوة لمساءلة “أمانديس” حول “التقاعس المستمر” عن معالجة النقط السوداء، وحول الخطط الزمنية الملموسة لتحديث شبكة الصرف الصحي. فمسؤولية الشركة لا تقتصر على جمع الفواتير، بل في حماية المدن من الغرق وفي توفير بيئة حضرية مستدامة وآمنة.
أليس من المخجل أن نجد مدينة محاطة بمجرى وادي مارتيل لتصريف مياه الأمطار تغرق باستمرار في مياه الأمطار كلما اشتد الطقس؟ هذا دليل قاطع على أن هناك شيئًا خاطئًا بشكل جذري في طريقة تدبير هذا المرفق الحيوي. والضحية، كالعادة، هو المواطن ففي النهاية أمانديس سينتهي عقدها لكنها ستترك مشاكل كبيرة يصعب إصلاحها.







