كشف تقرير أنجزته لجنة الخارجية والدفاع والوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب معطيات صادمة حول ظروف عمل النساء المشتغلات في تهريب البضائع بباب سبتة المحتلة، إذ صرّحن لأعضاء اللجنة البرلمانية الذين قاموا بالمهمة الاستطلاعية بأنهن يتعرضن لكافة أنواع الاستغلال، ويشتغلن في ظروف تنعدم فيها أبسط شروط الكرامة الإنسانية.
وسجل تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة لمعبر باب سبتة أن من بين النساء اللواتي يشتغلن في التهريب المعيشي من تضع الحفاظات، لعدم وجود مراحيض في معبر باب سبتة، كما أنهن يتعرضن للسب والشتم والاعتداءات الجسدية.
ولم يسمّ التقرير الجهاتِ التي تكيل للنساء العاملات في التهريب المعيشي بباب سبتة كل أنواع الإهانة والسب والاعتداء، إذ اكتفى معدّوه بإلقاء المسؤولية على “المنظمين”، دون تحديد ما إن كان الأمر يتعلق بالشرطة المغربية أو الإسبانية، أو هما معا.
المثير في التقرير أنه كشف أن السيارات التي تدخل إلى مدينة سبتة المحتلة من أجل تهريب البضائع، وعددها يناهز 1000 سيارة يوميا، لا تعود للمهربين فقط، بل إن عشرات منها، قدّرها أعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية التي أنجزت التقرير، بمائتي سيارة، تعود ملكيتها لرجال الأمن والجمارك.
وحسب ما جاء في التقرير فإن سيارات رجال الأمن والجمارك التي تدخل إلى مدينة سبتة المحتلة بهدف تهريب البضائع يحظى أصحابها بمعاملة خاصة، من حيث سهولة العبور، وكذلك في ما يتعلق بالمراقبة؛ وهو ما يطرح، حسب الوثيقة ذاتها، سؤال الخسائر الاقتصادية الفادحة التي يتكبدها المغرب جراء التهريب.
التقرير سالف الذكر تضمن معطيات خطرة تتعلق بالأمن الداخلي للمغرب، إذ كشف أن أكوام المواد المهربة لا تخضع للمراقبة، إذ إن الرّزم التي تحملها النساء اللواتي يتولّين التهريب، والتي يصل وزنها أحيانا إلى 140 كيلوغراما، تحمل رموزا معيّنة تحيل على أصحابها من المهربين، وتمر بمنتهى السهولة عبر الجمارك قبل أن تدخل إلى المملكة.
وتطرح السهولة التي تمر بها البضائع المهربة من مدينة سبتة المحتلة سؤال وجود تواطؤ بين مافيات التهريب والجهات المسؤولة عن المراقبة، إذ قالت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، تعليقا على تصريح لإحدى النساء العاملات في التهريب المعيشي، في ربورتاج أعدته اللجنة الاستطلاعية، قالت فيه: “الطريق خالصة”، إن هذه الجملة “تلخص كل شيء”، مضيفة: “من هي هذه الجهات اللي كتخلص الطريق لتسهيل تمرير البضائع؟ ومَن يتسلم السلع المهربة؟”.
وذهبت الحقاوي، التي حضرت إلى جانب وزير الصحة، أنس الدكالي، جلسة مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة بمعبر بباب سبتة، في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج، إلى وصف ما يجري في باب سبتة بأنه “وصمة عار في جبيننا جميعا”.
واعترف نواب برلمانيون من أعضاء اللجنة التي أشرفت على إنجاز التقرير بأن هناك تواطؤا بين المسؤولين ومافيات تهريب البضائع من مدينة سبتة المحتلة، إذ قال عبد الفتاح العوني، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، إن مسؤولين صرحوا لأعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية بأنهم يعرفون إلى أين تتوجه البضائع المهربة، وهذا يعني، بحسبه، أن “هناك تواطؤا مع مافيات التهريب”.
التواطؤ مع مافيات التهريب يطرح أيضا سؤال التهديد الذي تشكله البضائع المهربة على الأمن الصحي للمغاربة، إذ إن السلع التي تدخل إلى المغرب، وخاصة منها المواد الغذائية، تكون على وشك نهاية مدة صلاحيتها، حسب عبد الودود خربوش، النائب البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار؛ بينما قال عبد الفتاح العوني إن المواد الاستهلاكية المهربة “تكون مخصّصة لتصديرها إلى المغرب، ولا يتم ترويجها في إسبانيا، نظرا لتردي جودتها”.
وحمّل نواب المعارضة الحكومة مسؤولية المعاناة التي تلاقيها النساء العاملات في التهريب المعيشي بباب سبتة، إذ قال علال العمراوي، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال: “نحن قمنا بواجبنا، ومهمتنا تنتهي عند هذا الحد، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، لأنه من غير المعقول أن تظل عاجزة ومكتوفة اليدين إزاء مافيات التهريب”.
وأجمع النواب البرلمانيون أعضاء لجنة المهمة الاستطلاعية على أن التهريب بمعبر باب سبتة ليس تهريبا معيشيا، “بل هو تهريب منظم تستفيد منه مافيات”، حسب تعبير عبد الودود خربوش، منتقدا التساهل مع هذه المعضلة بقوله: “إذا عجزنا، كدولة، عن وضع حد لنشاط مافيات التهريب فينبغي، على الأقل، أنْسنة ظروف عمل النساء المغربيات المشتغلات في معبر باب سبتة، بتوفير المراحيض لهن، وأماكن مغطاة تحميهن من المطر في فصل الشتاء والشمس في الصيف”، مضيفا: “النساء يشتغلن هناك في ظروف لا إنسانية، وقد سمعنا عبارات السب والشتم في حقهن من المسؤولين المغاربة”.