لعل جميع متتبعي الشأن الوطني و المحلي يتابعون عن كثب التطورات الجديدة التي يعرفها ملف فتح معبر طاراخال 2 بالمعبر الحدودي باب سبتة. حيث بعد فتح المعبر أوائل شهر شتنبر لاستئناف عمل ممتهني التهريب المعيشي، قامت السلطات الاسبانية بمبادرة احادية من جانبها أوائل شهر اكتوبر و بالضبط بتاريخ 9 اكتوبر لإقفال المعبر بحجة القيام بأشغال لتامين ولوج ممتهني التهريب المعيشي عبر طاراخال 2 تزامنًا مع فاجعة وفاة شخصين، الأمر الذي استصاغه الجميع دون طرح أسئلة او خلق أي نقاش حول الدواعي الحقيقية لهذا القرار او تداعياته السلبية على النسيج الاقتصادي بسبتة او بمناطق الشمال.
النقاش سوف يأخذ منحًا اخر بعد القرار الاحادي للمرة الثانية من طرف الجارة الاسبانية الذي يقضي بفتح المعبر أمام تجارة التهريب المعيشي بعد الضغط الرهيب و المستمر الذي مارسه رجال الاعمال او ما يسمى ب”التجار الكبار” بمدينة سبتة على مندوبة الحكومة من اجل فتح المعبر و توفير جميع التسهيلات اللازمة لاستدراك الخسائر الذين تكبدوها، خاصة و ان القرار تزامن و الانتخابات البرلمانية الاسبانية.
و المعروف في هذا الشأن ان ملف معبر طاراخال 2 يشكل معبرا لا محيد عنه بالحملات الانتخابية للسياسيين المترشحين بمدينة سبتة باختلاف مواقفهم و انتماءاتهم. لكن هاته المرة، تتبع الجميع الغموض الذي لف تدبير هذا القرار في ظل الخروج الإعلامي المتكرر للمندوبة الحكومية لتبرير عدم فتح المعبر بعد تحديد مجموعة من التواريخ المتتالية في محاولة لامتصاص غضب التجار، حيث اتضح جليًا مدى تسويق و استغلال هذا الملف لأغراض سياسوية من جهة، و كذا اثره السلبي المباشر على الاقتصاد المحلي بمدينة سبتة من خلال الاحتجاجات التي شهدتها المدينة و كذا اجواء الاحتقان الداخلي على اثر فوز حزب اليمين المتطرف بالمقعد الوحيد المخصص لسبتة بالبرلمان الاسباني، و الذي يسعى من خلال برنامجه الانتخابي الى تشديد المراقبة على المعبر لضبط حركية و تدفق المهاجرين على المدينة من خلال فكرة إنشاء حائط عازل بين الجارتين.
هذا المعطى، سيأكده الخروج الإعلامي الأخير لوزير الداخلية الاسباني الذي اكد من خلاله ان “الأشغال بالمعبرين الحدوديين سبتة و مليلية لا زالت جارية و انه سيتم استئنافها متم شهر نونبر الجاري حيث ستمتد الى اكثر من سنة أي متم سنة 2020، و ذلك بعد ان تم إنجاز جميع الدراسات التقنية و الطوبوغرافية الازمة”. من جانبه، أكدت مجموعة من المنابر الإخبارية ان الجانب المغربي يستكمل الأشغال الجارية بالمعبر الحدودي من اجل تحديث البنية الامنية التحتية و القيام بالدراسات التقنية لضمان جميع شروط السلامة و الأمن لمستعملي المعبر وفقا للمعايير المعمول بها في هذا الشأن.
و في محاولة لاستقراء مجموع المعطيات و نسج خيوطها ، يتبين ان ملف التهريب المعيشي و فتح معبر طاراخال يشكل منعطفا تاريخيا يرسم ملامح سجل جديد من العلاقات بين الجارتين من خلال الدفع في مسار التفكير بعمق و وعي اكيد تفعيلًا لمبدأ “المعاملة بالمثل”، فكيف يمكن السماح بدخول جميع أنواع السلع و البضائع و أشياء أخرى دون ادنى شروط المراقبة و السلامة الصحية في تهديد لحياة و ارواح المواطنين المغاربة و خاصة النساء مع تعريضهم لجحيم المعاملات الاانسانية و الحاطة بالكرامة، و كذا استغلال حاجة و فقر مجموعة من الساكنة المحلية بإقليم تطوان و المواطنين القادمين من شتى مدن المغرب مقابل مئات الدراهم في حين يجني تجار سبتة، ميناءها و اقتصادها عموما ملايير الاوروهات و يتباهون به في تقاريرهم الرسمية.
الم يكن بالأحرى، واجبًا على السلطات الاسبانية السماح للتجار المغاربة و خاصة البسطاء منهم بدخول سلعهم و بضائعهم نحو أوروبا دون شرط او قيد و الإسهام في تحقيق تنمية عادلة بالمنطقة. لماذا يرفض دخول منتوجاتنا تحت ذريعة المعايير الأوروبية و الإرهاب و … في حين تعيش المنطقة على ضوء الهشاشة التاريخية للنسيج الاقتصادي المحلي الذي تستفيد منه مجموعة من اللوبيات الفاسدة التي تسترزق على ظهر الفقراء و تبيعهم الأوهام مستغلة حالاتهم الاجتماعية و جهلهم بماضي عائلات من راكموا الثروات مع المستعمر بطرق ملتوية.
ألم يإن الوقت لجميع الفعاليات الحية و الحقوقية الغيورة على ابناء هذا الوطن للتفكير بعمق بعيدًا عن التجاذبات الايديولوجية و الحزبية و غيرها من الملصقات من اجل خلق وعي جماعي لدى الفئات الهشة من اجل القطع مع الذل و الأخذ بيدهم من اجل البحث عن الكرامة بشتى الوسائل المتاحة و دق جميع الأبواب دون احكام مسبقة لخلق فرص شغل حقيقية و المساعدة في تمويل مشاريع صغيرة و مدرة للدخل للأسر المعنية، بدل المتاجرة و المزايدة بهم في “سوق البشرية”.
لا يكفي ان ننتقد او نبارك فقط ما نراه او نسمعه بل يجب العمل في إطار تشاركي و واقعي لإيجاد حلول و مبادرات لدعم اعادة ادماج هاته الفئة المستضعفة من قبل لوبيات المال في النسيج المجتمعي و الاقتصادي بما يضمن لها الحق في العيش الكريم.