الشرفة ليوسف خليل السباعي (تابع)

يوسف خليل السباعي

4- لا أعرف شيئا عن مانويلا. سناء تعرف، غير أنها لاتستطيع أن تقبض على تفصيلات حياتها. كانت حياة مانويلا شاحبة. غامضة كحياة رجل النظارة السوداء. الرجل الصامت الذي اختفى، أو ابتلعه الظلام. أمر مدهش حقا. أمر ميتافيزيقي!…

قالت سناء:” تعرفت صدفة على مانويلا في محل تجاري لبيع اللباس بمالقا. كنت راغبة في شراء فستان وردي، لأن هذا اللون يغويني ويبهرني، يلائم جسمي المشرق، ويجعل ابتسامتي أكثر سحرا. في ذلك الوقت، ظهرت مانويلا كنجمة. أعجبها مظهري…وبلا تفكير طلبت مني أن أشتغل معها، فوافقت على الفور. كانت مانويلا تسافر كثيرا. علمت أنها تزوجت من رجل في الجيش الإسباني، غير أنها لم يكن بمقدورها الإنجاب!… وبرغم اكتفائها المالي كانت تحب أن تكون مستقلة ماليا، فاشترت محلا واشتغلت في تجارة اللباس. لا أنكر أنه كان لمانويلا فضل كبير علي في جمع المال، ما ساعدني على أن أطرد العوز الشرير من حياتي.

كانت مالقا مستقرا لي في الوقت الذي غادرت فيه تطوان، ولم أكن أنوي العودة…لكن طلاقي من زوجي… وموت أمي…جعلني أفكر في العودة…”.

لم تكلمني سناء عن زواجها، ولا عن طلاقها. كانت تخفي كل ذلك كسر من أسرارها. ومن ثمة بدأت أشك في كل كلام تقوله لي، لكنني لست معتوها لأصدقها. كنت في بعض الأوقات أقول في سري:” إنها تكذب علي”، لكن وقوعي في حبها كان يجعلني أغض الطرف عن كل هذه الأمور وأشقق طريقي غير مكترث بشيء. ينتابني صمت غريب وأقول في سري، متسائلا:” لماذا لم تكلمني قط عن زواجها ولاطلاقها؟!”… وقد يكون لسناء أبناء تخلت عنهم، أو ماذا سأعرف أولا أعرف… أمر يبعث على الحيرة… لكن ماذا يخبئ يوم آخر مشرق أو غير مشرق من مفاجئات؟!… لا أدري…

في أحد الأيام، تركتني سناء وحيدا في منزلها، وخرجت. سحرني الفضول، وكان الدافع وراءه (ذاك) الشيطان الذي أسر لي بأن سناء تخبئ سرا أو أسرارا عني… فنهضت من على سريرها، وشرعت في البحث عن خباياها لكشف سرها أو أسرارها….، وإذابي أعثر على أوراق. كانت تحوي ملكية المنزل، ضرائب، محضر طلاق، محل تجاري…، وورقة صغيرة ممزقة من مانويلا مكتوبة بلغة إسبانية وبخط ركيك. الورقة أعيد تلصيقها كما تلصق الورقة النقدية الممزقة. كان مكتوب فيها:” Maldita sea … Maldita sea Sanae, … Mi esposo murió … Vendí todo lo que tengo … y ahora vivo en Ceuta “. ترجمتها إلى العربية كمالو أنني أقرأها في قرارة نفسي، وأدركت أن مانويلا كانت تصرخ:” اللعنة… اللعنة عليك ياسناء… مات زوجي… بعت كل ما أملك…وأنا الآن أعيش في سبتة”. لم أفهم شيئا.

عندما عادت سناء، وجدت ورقة مانويلا الممزقة موضوعة على سريرها- كما لو أنني قصدت ذلك- فأصابتها هستيريا، وبغضب… صفعتني.

غادرت المنزل غاضبا بشدة.

ندمت سناء على صفعها لي. اتصلت بي هاتفيا، لكنني لم أرد عليها. كان الوقت ليلا. عدت إلى منزلي. فتحت النافذة. لم يكن رجل النظارة السوداء- الشبح- في الشرفة. وحده الظلام الآن يتسلل كطفل إلى قلبي ويسكن تفكيري.
كانت صفعتها كسكين ينغرس في خدي الأيمن!…

يتبع

Loading...