يوسف خليل السباعي
في صباح ليس ككل الأصباح استفاق ياسر منزعجا.
كان رأسه يؤلمه-، صداع نصفي أصابه، ولن يقوضه إلا بالنهوض من السرير والذهاب إلى دورة المياه، حيث رش، وخرج، بعد أن أغلق بإحكام باب الدورة المصنوعة من الألمنيوم. كان لون الباب أبيض-، ثم، دخل إلى المطبخ الذي كانت أوانيه الزجاجية غير مغسولة، فأمسك بكأس صغير وملأه بالماء الذي يهبط من الصنبور، بيد أنه ذهل لكون ذلك الماء كان لونه بني بالتقريب كمالو أنه لون رمال الشاطئ الذي قضى فيه مراهقته وشبابه.
– ماذا سأفعل الآن!؟. رأسي يؤلمني كثيرا.
قال ياسر في سره.
بعد هنيهة عاد إلى السرير. لم يبرحه الألم. ألم فظيع، لم يتمكن من التغلب عليه كمالو أنه مسمار يدق في نعش.
حاول أن يغفو قليلا، وينسى الألم، لكن النوم طار من جفونه، وحلق كنورس في سماء زرقاء.
نهض من السرير وراح صوب مستودع الدواء، فتحه، بيد أنه لقيه فارغا. أصابه الذهول، وأحس بأن نهايته اقتربت، فهو غير قادر على االنوم، وغير قادر على الخروج لجلب الدواء.
كان الصداع النصفي يأكل رأسه. استطاع أن يقاوم، لكن قواه خارت، فلم يعد يشعر برجليه وسقط.
– برغم الألم سأقاوم، سأقاوم.
وقف كالسلم. النيران تشتعل في رأسه. وقلبه يرجف، وعيونه تتوسع كالبئر.
استبد به العطش، وأحس باختناق، وفكر في الموت، ثم استبعد الفكرة.
– إني أحب الحياة. لن يهزمني هذا المرض، الصداع.
صوت داخلي 1: الصمت يلتف على البيت.
صوت داخلي 2: صمت كئيب.
كان الطقس في ذلك الصباح مغما، ارتدى سروال جينز، وقميص مفتوح، متحملا الصداع النصفي!…، لم ينظر مليا في المرآة حتى لا يرى وجهه الذي، في تخيله، لم تعد له أي قسمات، وغالبا ماكان يراه مشروخا، أو لايعرف من هو كمالوأنه شخص آخر.
صوت خارجي 1: مزقت الوحدة روحه.
صوت خارجي 2: عاش وحيدا، وسيموت وحيدا.
كان هذا سبب خوفه، وتعطشه للحياة، فبعد أن غادرته فتحية من غير سبب لم يعد يعيش حياة ناعمة، وهو الذي كان يشعر بنفسه معها كفتى مدلل، برغم أنه كبير في السن، لم تكن تتركه يشعر بالسأم، لكنه لم يكن يبادلها نفس الشعور.
-لم أحب فتحية قط. عشت معها حياتي بإكراه، ولكني كنت أحب امرأة أخرى.
يتكاثر الصداع النصفي ويتكاثف، لاشيء سيوقفه، يقولون إنه مرض البرجوازية الصغيرة.
المؤلف ضاحكا: البرجوازية الصغيرة.
أصفق ياسر الباب، وخرج. صادف في طريقه سناء.
وجهها أبيض. عيونها خضراء. قالت له بالمصرية:
– “مابقناش نشوفك ياراجل، ماتبوسني!”
ضرب ياسر كفا بكف، وقال لها:
– أنا مريض. لاينقصني (…) سأراك قريبا.
تابع طريقه. لايدري إلى أين هو ذاهب، مزقته الوحدة، الأفكار تتناطح كالخرفان في رأسه، يشتد الألم، فكر في أن يدلف إلى حانة.
– هل أنا أحمق؟!.
وصل قرب صيدلية الريف. ابتاع الدواء. دلف إلى مقهى هناك، طلب من الجرسون كأس ماء، كانت المقهى ملآنة. الكل يبصره كمالو أنه كائن غريب، شيطان يعض.
كان لون الماء بني، عيون زبائن المقهى بنية كرمال الشاطئ المنهوبة.
– اللعنة! سأشربه هكذا، وليقع المكروه.
خرج ياسر من المقهى، تابع سيره إلى أن وصل أمام الجسر. لم يوقف الدواء الألم، بل أحس بانتفاخ في بطنه، وحرقة.
كان هدير السيارات يزعجه، .لم يعد بمقدوره أن يصبر.
يشتد الألم، وبرغم مقاومته له يسقط من الأعلى.
كانت السيارات تدهسه كعيون زبائن المقهى البنية بلا رحمة!