يوسف خليل السباعي
12- كان الرجل الغامض المختفي كأحلامه وتخييلاته الغامضة.
عندما دخلت إلى منزلي ارتميت عل البساط الأرضي، وقرأت الشظية الثالثة:” كانت الليلة ثلجية. كان الثلج أصفرا ممزوجا بسواد مسود كوجه يابس. هذا الثلج كان مغلفا بالحصير وبأجنحة وبسلهام أسود. وكان يصعد منه بخار كما لو أنه جنية عيونها محمرة وأذناها طويلتان، وأنفها كبير. كانت الجنية لما تفتح فمها تخرج منها حية رقطاء!… بقيت في الثلج حتى ذبت!… كان ثمة بئر كدت أهوي فيه، لكن يدا نيرة أنقذتني وأمنحتني قدح لبن. كان باردا!”.
لم أصل، برغم البحث والتفكير، إلى تفسير لهذا الحلم. بقيت مدهوشا، ومن شدة الرعب بقيت مستيقظا طوال الليل.
في الصباح، قررت أن ألقي بتلك الأوراق الصفراء من النافذة، لكنني لم أفعل، ولا أعرف، بل لم أعرف ماذا كان يفعل الرجل الغامض بتلك الأوراق، ولماذا خبأها في صندوق كبير مع حية!.
أمر يبعث على الحيرة. ولكن كل ذلك كان يجعلني في أوقات وأنا أقرأ تلك الأحلام أضحك حتى أستلقي على قفاي. كان الرجل الغامض يخفي سرا من أسراره في تلك الأوراق الغامضة مثله كما كان يخفي الكتاب الموتى أسرار كتاباتهم.
تابعت القراءة. مكتوب في الشظية، أيضا، أن الرجل رأى في منامه امرأة بيضاء البشرة. كان شعرها أصفرا ووجهها دائريا، وفي عيونها ابتسامة غريبة. ظل الرجل يحدق فيها ناسيا كل شيء-، فإذا بقلبه صاف كاللبن. أمنحته المرأة مخدة بيضاء مسدودة، غير أنه كانت توجد فيها فتحة صغيرة. عندما شقها الرجل بيده البيضاء طار منها صوف مثل ريش الطاووس.
كانت أحلام الرجل عصية على التفسير، بل من المستحيل القبض عليها. كانت مثل طيور الأفكار تمتلك أجنحة.
كنت أقول بيني وبيني:” أنا أيضا كانت أحلامي وتخييلاتي تفر مني، ولا أتذكر سوى تفصيلات صغيرة كانت تلمع كالبرق”.
يتبع