يوسف خليل السباعي
بداءة، إننا ندرك، بعمق، وبكثافة، دلالة الصرخة في بعض لوحات محمد بوزباع. هناك صرخة مكشوفة، واضحة، ممتلئة، تعلن عن احتجاج، أو رفض، إلخ، إلا أن هناك، بالمقابل، صرخة مكتومة، متخفية في تشكيلية متدفقة في التقاطيع الدقيقة لهذه اللوحة، التي نقرأها بطريقتنا الخاصة، قد يتفق معنا الفنان بوزباع، أولا يتفق معنا، فيما سنذهب إليه في هذه القراءة، على اعتبار أن الفنان حالما ينتهي من رسم اللوحة، أو تشكيلها، لاتصبح “ملكية” له، وإنما تصبح في أيدي القراء والمتأملين، وكل واحد يقرأها انطلاقا من أدواته، ومنتوج خياله، مع أننا نعرف مسبقا أن نقاد وقراء اللوحات التشكيلية في المغرب نادرون (نعرف بكثافة أن الفنان يمتلك لوحته، لكن اللوحة، من جهة، فنية، تشكيلية، ولكنها، من جهة ثانية، متطلبة تجاريا، أو ميركانتيليا، كأي أثر أدبي أو فني أو غيره، والفنان يكون سعيدا عندما يبيع لوحته)، وعليه، فإننا أمام لوحة تظهر امرأة في غاية الرقة، والوداعة، بل والحلاوة، امرأة لاتضاهي النساء المرسومات في لوحات بوزباع الأخرى.
في هذه اللوحة ثمة حركة لجسد المرأة مرسومة بدقة متناهية: حركات الأصبع، والذراعين، والوجه، والشعر الأسود المنسدل إلى الأسفل، مع إخفاء الصدر. كما تظهر اللوحة جمالية الأنف، والفم، وإغماض العين اليمنى، مع إخفاء العين اليسرى، التي لانراها إطلاقا، ولكننا نتخيلها، ذلك لأن بوزباع يلعب على عاملين: الإظهار والإضمار، الخفاء والتجلي في رسم الجسد، ومن هنا، بلاغته التشكيلية.
إن المرأة في هذه اللوحة، تظهر جمالها من خلال تعبيرية وتشكيلية جسدية وديعة، لكنها تؤكد صرختها المكتومة، التي لانسمعها، ولكننا نراها. نراها في تقاطيع جسدها المركبة، وحركتها المتسامية!