بقلم ؛ يوسف خليل السباعي
في الوقت الذي لم تعد السينما والمسلسلات التلفزيونية عالميا تستخدم الميلودراما بشكل كثيف، إلا تلك المسلسلات والأفلام الاستهلاكية التي تطلب ود المشاهدين الذين لا يحملون ثقافة سينمائية ودرامية، وبعد أن إبتعدت، نسبيا، السينما الهندية والمصرية وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسلسلات التلفزيونية عن ذلك، نسبيا، لأن الميلودراما، لم يعد لها جمهور، لأنها تحمل المواعظ والآهات والدموع وقصص الزواج والطلاق والعمل على التكرار، وكل تلك الموضوعات الخفيفة، المبكية، التي تسعى إلى التأثير في المشاهدين لغرض الاستمالة وتحبيب الموضوعات المستهلكة، والمتكررة، والتي تبعث على السأم، نجد أنفسنا أمام مسلسل “سلمات أبو البنات” للمخرج هشام الجباري، الذي يعرض خلال شهر رمضان في قناة إم بي سي 5، وإلى حد كتابة هذه السطور، فالمسلسل مازال يعرض، في حلقات.
هذا المسلسل يركز على قضية أسرة سلمات أبو البنات، التي تتكون من الأب، والزوجة، وثلاث بنات، ولكل شخص في الأسرة أحواله النفسانية، وعلاقاته الاجتماعية والوظيفية، ومن ثمة تتسلسل المشاهد وتتوسع ميلودراميا لتكشف عن أحزان وأفراح، وتدور طاحونة المسلسل لتكشف عن موضوعات الزواج والحب والمال، والتحرش، لتصل إلى بؤرة تأثيرات المسلسل المتمثلة في الجريمة التي وقعت داخل مركز النداء، وتدخل الشرطة في الموضوع.
إلى حد الآن لانعرف كيف سيتطور هذا الموضوع الميلودرامي المتشابك، بيد أن المخرج يريد أن يعالج هذا الموضوع المستهلك في نماذج سينمائية ودرامية وملودرامية سابقة بطريقة إخراجية هشة لاتراعي الشروط المعمول بها في الميلودراما، وذلك بتقديم طريقة الجريمة بصورة مضحكة، ومضجرة، فكيف يعقل أن لانرى مايجري داخل مكتب مسؤول مركز النداء، سوى أن “ثريا” تخرج وهي مطعونة بمدية في بطنها، ثم برغم ذلك، تخرج المدية، وتجر المسؤول عن مركز النداء، بعد انحصارها، وعدم قدرتها على الفرار، وتضع أصبعه على شيفرة فتح الباب، وهو شيء غريب، فتخرج وتذهب إلى بيتها حيث فرح أختها، وتجلس بالقرب منها دون أن تثير نظر أحد، وبعد ذلك تقوم بخيط الجرح بإبرة… كل هذا مقحم في المسلسل، ومبالغ فيه، ولامبرر له ميلودراميا ولادراميا، إنه يلمح إلى خلل في السيناريو الذي شارك فيه المخرج، وانعدام رؤية إخراجية دقيقة ومبتكرة.
من جانب آخر، إن مفتش الشرطة الذي جاء ليقبض على “ثريا” المتهمة بجريمة القتل هو الذي كانت تربطه علاقة بها وغادر مركز النداء ليصبح بين عشية وضحاها مفتش شرطة، ويمسك قضية التحقيق، بعد طلب من الكوميسير، ويقول إنه سيبرأها، وكأن إصراره على براءة ثريا هي في فكره مسبقا، ويريد أن يصل إلى هدفه وبمتلك قلب حبه، إن الميلودراما تلعب على المشاعر، أكثر من ما تلعب على ترابط القصة والسيناريو، والمليء بالهفوات، ولايتغلب عليها إلا بتقديم شخصية الأب المضطربة سيكولوجيا، الحائر بين تربيته لبناته بطريقة متحكمة، وضعفه أمام حبه لهن، ومايلاقيه من ويلات الخارج، والداخل، حيث تتراكم المعضلات الأسرية المفككة من الخارج والداخل.
إن الأب المحافظ ينكسر أمام جبروت المجتمع القبيح، المليء بالشر، والذي يزيد من حيرته، وكأنه غير قادر على استبعابه.
صحيح أن المسلسل عمل على تمطيط ذاته من خلال خلق شخصيات لادور لها وظيفي سوى أنها مقحمة، أو كان لها تأثير سيكولوجي أو جنسي، أو شيطاني.
ثمة في المسلسل مشاهد لمسؤول مركز النداء الذي، بعد تعرضه للجريمة، لا نعرف ماذا جرى له، إنه نقل إلى المستشفى في حالة غيبوبة، والمشاهد تجري وكأنه لم يتعرض للقتل، و”ثريا” تقول إنها لم تقتله. أمر غير واضح بتاتا، ولكن زوجته، تتكلم، هي الحية، التي تحبه عن سلوكاته المتناقضة، كل شيء في هذا المسلسل غير واضح، وهذا ناجم عن سيناريو مكتوب بطريقة غير مضبوطة وغير مفهومة، مما جعل تسلسل الأحداث مضطربة، وغير متوازنة،
وهذا انعكس، فعليا، على المسلسل وفككه، وجعل منه ميلودراما هشة، غير مقنعة ومبالغ فيها. كما انعكس على الأداء التمثيلي/ التشخيصي للممثلين والممثلات الذين كانوا يتحركون بإدارة مخرج كان ينبغي أن يعيد النظر في طريقة تقديمه الميلودراما في مسلسل “سلمات أبو البنات” الذي ليس ميلودراما هندية ولامصرية ولاتركية، ولكن ميلودراما بنكهة مغربية هشة. وهو مايستدعي إعادة النظر في مسلسلات رمضان، والانفتاح على الروايات المغربية الجديرة بتحويلها إلى أعمال درامية أكثر ثراء.