من الموضوعات التي شغلت الناس في الظرفية الأخيرة موضوع شائك أثار جدلا واسعا ويحتاج أن يناقش ويعالج من وجهة نظر دينية إسلامية إنطلاقا مما جاء به ديننا الحنيف ومن توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم تطبيقاً لسنته ،ذلك ما يعرف بالعنف أو التعنيف الأسري وكيف لنا ألا نتحدث عن هذا الموضوع وقد أصبح للأسف ظاهرة شنيعة مزعجة في زمننا هذا لما تنتجه من مشاكل إجتماعية ،ويمكن تعريف هذا الأخير بالسلوك العنيف الذي ينطوي على استخدام القوة من الطرف القوي ضد الطرف الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ،كتعنيف الزوج لزوجته أو تعنيف الزوجة لأطفالها أو تعنيف الأخ لأخته… وهناك من الأمثلة الكثيرة في عصرنا هذا وذلك عبر ممارسات اعتداءات جسدية قاسية كضرب الزوجة والأطفال بقسوة وعنف للأسباب مختلفة قد تكون سخيفة في مجملها ،أو الجرح أو التعديب الجسدي أو اعتداءات نفسية كالتخويف والتوبيخ والسيطرة.. أو اعتداءات سلبية مثل الحرمان المادي الذي قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم السرقة ،وتشكل هذه الصور من العنف العديد من النتائج الخطيرة على المعتدى عليه أو ما يسمى بالضحية مما يسبب له الكثير من الأمراض النفسية مثل الإحباط واليأس والإكتئاب.. ،وجل هذه الحالات والصور التي تمثل العنف داخل الأسرة قد تسبب حالات مرضية جد حادة والتي تحتاج إلى علاج مكثف وقد تؤدي بهم في الأخير إلى وضع حد لحياتهم لعدم القدرة على تحمل الحياة القاسية على اعتبار أن في الموت راحة وهذا ما نعيشه في الوقت الراهن إذ نجد العديد من حالات الإنتحار والعديد من المرضى النفسانيين والعديد من المتشردين والمدمنين على المخدرات التي أفسدت عقولهم وهذه كلها نتائج العنف الأسري أو التفكك الأسري الذي إنعكس في طياته الإنحطاط الأخلاقي والفقر الإقتصادي وضعف الحجة والبرهان لأن الإنسان السوي خلقيا والقوي فكرياً لا يحتاج إلى عنف بل الحجة والبرهان وهذا خير ما أوصى ديننا الحنيف الذي نهى عن جميع أشكال العنف والممراسات السلبية التي تؤثر على وحدة الأسرة والمجتمع بسبب خلل في التربية أهمها التربية الإيمانية فضعف الإيمان بالله والجهل به وبأحكام دينية يورث الإهمال من الآباء بالقيام بواجبهم في التربية فينشأ الأبناء على الجهل فيتسلطون على الآباء عند كبرهم ،فقد توعد الله عز وجل باللعن من اتخد ما فيه روح عرضا ،وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب إمرأة بسبب حبسها لقطة حتى ماتت فكيف بمن يعتدي بالضرب أو الجرح أو بالتعزير أو القتل أقرب الناس إليه ؟
لابد من نظرة قانونية هنا لأن معضم الناس لا يقتدون بما جاء به ديننا لأن عقوبته إلهية ،في حين أن الخضوع للقانون أمر قسري ،هنا جاءت الحاجة لتوضيح حيثية مهمة وهي أن القانون المغربي لم يغفل أي جريمة إلا وجعل لها عقوبة.
والمشرع المغربي لم يقتصر على تناول العنف الأسري بل تناول كذلك ما هو في حجم العنف الأسري في جانبه القانوني بحيث صنف بعض الجرائم على أنها عنف واضع مثل القتل العمد والقتل الخطأ والضرب والجرح والتسميم والتعديب وقتل الأطفال وتعريضهم للخطر ،وهي أشكال متعددة من العنف وضمنها للعنف الأسري ،أما ما هو في حجم العنف الأسري مثل الجنايات التي تحول دون التعرف على هوية الأطفال وجرائم إهمال الأسرة وجرائم انتهاك الآداب كلها جرائم عنيفة وقد عالجها القانون الجنائي أما إثباتها فقد عالجته المسطرة الجنائية.
وباستعراض لبعض الجرائم أؤكد من الناحية المبدئية أن المشرع في حالة العلاقة الأسرية يتدخل إما للرفع من العقوبة أو تخفيظها والمحدد في غالب الأحيان هو صفة الجاني وأحيانا تتدخل صفة المجني عليه لترفع من العقوبة ومثال على ذلك الأطفال ،وهذا ما أكد عليه الفصل 408 من القانون الجنائي حيت نص على ما يلي”يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلات سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفلا دون سن الخامس عشر من عمره أو تعمد حرمانه من التغدية أو العناية أو إرتكب ضده أي نوع من العنف أو الإيداء “،مع العلم أن هذه العقوبة إذا تعلقت بغير الطفل تكون أقل من ذلك بكثير ،ومن جهة ثانية فقد لاحظ المشرع أن الإعتداء على النساء والأطفال في ثنام شديد لذلك أعاد تنظيم هذا الموضوع بما يضمن الحماية اللازمة ،ولذلك أود أن أشير إلى أن جلالة الملك نصره الله كان قد كلف المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان بأن يراجع القانون الجنائي بما يؤدي إلى سد الثغرات التي يمكن أن توجد فيه والمتعلقة بجرائم العنف على اعتبار أن موضوع حقوق الإنسان يأخد حيزا كبيرا من اهتمامات النخب والمفكرين والسياسيين والمثقفين لإرتباطه بتكوين المجتمع والأفراد ولكونه أحد مؤشرات ومعيار التحول الديمقراطي.
ورغم صدور العديد من المواثيق الدولية والتوجيهات التي تمنع جميع أشكال العنف فإن الموضوع لازال يحتاج إلى عناية خاصة ومجهودات دولية وجماعية وفردية للحد من ظاهرة العنف الأسري ،هذا السلوك المرفوض دينياً وقانونيا ،وفي بلدنا الحبيب حظي هذا الموضوع باهتمام الكثير من الفعاليات الحقوقية من جمعيات ومؤسسات مناهضة لأسباب وعوامل التي تهيئ فرص ارتكاب العنف بصفته ظاهرة اجتماعية مرضية ،وهو ما أخد بالمشرع إلى الحرص على ملائمة تشريعاته الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان حتى يعمل القضاء على ضمان حماية هذه الحقوق وفق ما يقتضيه القانون.
ومن جانب أخر فبعد أكثر من عقد مناصرة منضمات حقوق المرأة المغربية اعتمد المغرب قانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء كونهن هن من يتعرضن للعنف في هذا المجتمع الذكوري بثقافته والمكرس لسلطة الرجل في اطار القوانين والأعراف المنظمة للعلاقات الأسرية ،لذا غفلت غالبية الدول العربية الإشارة إلى أن العنف مبني على النوع الإجتماعي ،وفي ظل الثقافة المجتمعية السائدة يظل العنف ضد المرأة أمرا عائليا ولا يتم التبليغ عن معظم حالاته،وغالبا ما يفلت الجاني من العقاب ،ولهذا قدمت الحكومة مشروع القانون 103.13 إلى مجلس النواب وصادق عليه وأصبح نافدا حيث تضمن أحكاما إيجابية لأن غايته الأسمى هو توفير الحماية القانونية اللازمة دون أن تثار بشأنه أية إشكالات فإلى أي حد إستجابة هذا القانون لمطالب الحركة النسائية ؟ وهل تتلائم مقتضياته والمعايير الدولية خاصة دليل التشريعات المتعلقة بالعنف ضد المرأة ؟