يوسف خليل السباعي
في مقال كتبه الكاتب المصري ناصر عراق عن عادل إمام، يتساءل:” كيف يمكن تقييم تجربة الفنان عادل إمام الطويلة المتنوعة؟ وهل يمكن أن نتعامل معه بإنصاف رغم أن مواقفه السياسية اتسمت فى معظمها بمحاباة السلطة… أيا كانت هذه السلطة؟”.
وأجاب قائلا:” فى البداية أكاد أجزم أنه ما من امرأة أو رجل عربى إلا وأضحكه عادل إمام، وأشهد أننى تعاملت مع أناس من جميع البلدان العربية، وكلهم أبدوا إعجابهم الشديد بعادل إمام وافتتانهم به عندما كنت أسألهم عنه، الأمر الذى يؤكد أن الرجل صاحب موهبة ناصعة بحق.. موهبة قادرة على تفجير طاقات الضحك فى الأفئدة، وصدق صلاح عبد الصبور عندما قال فى مسرحيته الجميلة (الأميرة تنتظر)، قال: (الضحك خبز القلب).
وسرد لنا مسيرته الفنية منذ البدايات، حيث كتب” ظهر عادل للمرة الأولى على المسرح فى مسرحية (أنا وهو وهى/ 1963) أمام الأستاذ فؤاد المهندس، وما أجمله من أستاذ، فقد استوعب موهبة الشاب الواعد وأفسح له مجالا بجواره ليبدع ويتجلى ويسعد الجمهور بأدائه الكوميدى. وفى 9 مارس 1964 شاهد الناس عادل إمام على شاشة السينما للمرة الأولى عندما تحولت تلك المسرحية إلى فيلم سينمائى حمل الاسم نفسه.
نحو عشرة أعوام كاملة ارتدى خلالها عادل إمام ثياب الأدوار الثالثة والثانية، فكان حضوره لافتا، وأسلوبه الكوميدى مغايرًا، لكن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية لم تكن تسمح له بالاستحواذ على أدوار البطولة، فمواصفات البطل فى ذلك الزمن تستلزم أن يكون وسيمًا طويلا يعبر عن شريحة الطبقة الوسطى السائدة اجتماعيًا والقادرة ماليًا على الذهاب كل أسبوع إلى السينما، حتى جاء ما يسمى بسنوات (الانفتاح الاقتصادى) التى قلبت الموازين الاجتماعية رأسًا على عقب بعد منتصف السبعينيات.
هنا انتبه المخرجون إلى هذا الممثل الموهوب، ولا شك مطلقًا فى الموهبة التمثيلية الكبيرة لعادل إمام، حيث أسندوا إليه أدوار البطولة التى تناسب تكوينه الجسدى القليل وملامحه الشعبية البسيطة المحرومة من الوسامة، لأن الطبقة الوسطى تراجعت، وتصدرت الواجهة طبقة جديدة قوامها الصنايعية والحرفيون والأفاقون، فصارت تملك ثمن تذكرة السينما، وهكذا رأينا عادل الذى يشبه أفراد هذه الطبقة الجديدة بطلا فى (رجب فوق صفيح ساخن/ 1979)، الذى استمر عرضه نحو عام كامل فى السينما، و(شعبان تحت الصفر/ 1980)، وبسرعة البرق تفاعل الجمهور مع البطل الجديد الذى يشبهه، فلا وسامة ولا بنيان قوي ولا مركز اجتماعى مرموق، مثل النجوم الذين سبقوه محمود ياسين وحسين فهمى ونور الشريف.
بدا عادل إمام خارجا من حارة شعبية، لا مقبلا من فيلا بالزمالك أو شقة فاخرة بالمعادى، يرتدى بنطالا من الجينز، وقميصا بسيطا وحذاء رياضيا رخيصا، لا يغير ملابسه كثيرا فى الفيلم، ولا يحلم سوى بالستر والزوجة، تذكر معى أفلامه (المشبوه/ حب فى الزنزانة/ الحريف/ سلام يا صاحبى) وكلها أنتجت فى مطلع الثمانينيات.
مع صعود جماعات الإسلام السياسى وظاهرة التدين الشكلي تصدى لها عادل بالسخرية المرة فاضحًا انتهازية هذه الجماعات المشبوهة، ولنتأمل معًا أفلام (الإرهاب والكباب/ الإرهابى/ طيور الظلام)”.
وذكر ناصر عراق، في مقاله، أن لهذا الفنان الممثل ” مشوار طويل عامر بالأعمال الجميلة، وما زال مستمرًا نظرًا لذكاء عادل وحصافته، صحيح أنه قدم أفلامًا ساذجة لا تقاوم الزمن، غير أننى أتوقف عند فيلمه (المنسي)، ومسلسلاته (أحلام الفتى الطائر/ دموع فى عيون وقحة)، لأنها أعمال جيدة قادرة على البقاء، إضافة إلى المسرحيات التى شارك فيها بأدوار صغيرة أو متوسطة مثل (البيجاما الحمراء/ غراميات عفيفى/ حالة حب)، فضلا عن (مدرسة المشاغبين/ شاهد ماشفش حاجة/ الزعيم)، أما (الواد سيد الشغال) فضعيفة المستوى”.
ثم لم يغفل ذكر موقف عادل من السلطة السياسية، حيث كتب، وهذا موقف الكاتب، وهو قابل للنقاش، ولانعرف ماذا قال عادل إمام عنه، وهل قرأها حتى، أن عادل إمام ” دائما مع النظام الحاكم حتى لو استبد وطغى، وبدا ذلك واضحًا من تأييده لنظام حسنى مبارك طوال الوقت، وهو موقف انتقده فيه الكثير من الناس الساخطين على نظام مبارك، ومعهم حق، فالدفاع عن مبارك لا يليق برجل ينحاز إلى الشعب فى أفلامه ويتمنى له حياة أكثر حرية وجمالا، ولكن..
فى ظنى أننا يجب أن نكون أكثر تسامحًا مع الفنان، ولا نحاسبه على موقفه السياسى، أو بالأدق لا نأخذ موقفا سلبيًا من إبداعاته بسبب موقفه السياسى الداعم للنظام، حتى لو كان هذا النظام مستبدا ظالما، فالفن باق وخالد، والسياسة متقلبة وزائلة، وتاريخنا الفنى يحتشد بالعديد من كبار الفنانين الذين امتدحوا الطغاة (تذكر أم كلثوم وعبد الوهاب ويوسف وهبى وتقريظهم للملك فاروق)، لكن تاه هذا المديح ونسيه الناس مع مرور الأيام وسقوط الطغاة، وظلت أعمالهم الإبداعية راسخة تسعدنا على الدوام”.
من جانب آخر، وفي مستوى مختلف، وبشأن عادل إمام، ذكرت وكالة إف إف سي ميكس أن الفنان الكبير سمير صبرى عاد إلى شاشة الدراما بعد فترة غياب، ليشارك عادل إمام “الوقوف أمام الكاميرا فى مسلسل «فلانتينو»، ويسترجعا معا ذكريات أول بطولة أتيحت لهما معا على شاشة السينما، وذلك عندما قدمهما المنتج جمال الليثى كبطلين لفيلم «البحث عن فضيحة» والذى منحهما تأشيرة مرور إلى عالم النجومية”.
وكنت شاهدت هذا الفيلم في زمن مضى، و أشارت الوكالة الإعلامية أنه فى حواره مع «الشروق» يسترجع سمير صبرى سنوات طويلة فى دنيا الفن، ويستعرض محطات مهمة فى رحلة صداقة استمرت لعقود مع عادل امام.. ويروى حكاية إفيه «واحد صاحبى انت ما تعرفوش» الذى أثار به المخرج رامى إمام ذكريات السنين وشجون جمهور النجمين.. وفي بداية حوارنا حدثنا الفنان سمير صبرى عن “علاقته بالنجم عادل إمام قائلا: أنا والأستاذ عادل إمام تربطنا علاقة صداقة ممتدة لأكثر من اربعين عاما، وفى بداياتنا الأولى اشتركنا معا فى تقديم الكثير من الأفلام الكبيرة عبر أدوار صغيرة مع نجوم كبار آنذاك مثل فؤاد المهندس، ورشدى أباظة، وأذكر منها «نص ساعة زواج» مع رشدى أباظة والعظيمة شادية، والذى منحنا مساحة نقدم فيها أنفسنا. وأضاف: كنا شركاء معا فى أول فيلم يحمل اسمينا كبطلين للعمل، وهو فيلم «البحث عن فضيحة»، وكذلك كانت أول بطولة للفنانة الجميلة ميرفت أمين، فكان الفيلم بمثابة أول بطولة رسمية لنا جميعا، ولأول مرة تكتب أسماؤنا بالبنط العريض على الافيش فى دور السينما، وعشنا معا هذه الحالة من النجاح والنجومية ونحن نرى أسماءنا تكتب بالأضواء على ابواب دور السينما”.
وبخصوص سؤال عن كيف كانت هذه البداية؟ ــ قال سمير صبري” كانت بمثاية مغامرة للمنتج جمال الليثى، والذى أراد أن يقدم للسينما نجوما جددا، وحرص على توفير كل سبل النجاح للفيلم الذى حمل اسم «البحث عن فضيحة»، وذلك عبر الاستعانة بمخرج كبير هو نيازى مصطفى وفنانين لهم تاريخ كبير إلى جوارنا، مثل يوسف وهبى وعماد حمدى وميمى شكيب وزوز ماضى، وكذلك استعان بنجوم كبار لهم جمهور عريض ظهروا كضيوف بالفيلم، وكان من بينهم أحمد رمزى ومحمد عوض، وزيزى البدراوى وبالفعل نجح الفيلم نجاحا كبيرا، ومازال يلقى إعجاب الأجيال على مر الزمن عبر العروض التليفزيونية، وأصبحت افيهاته جملا مثارة على السنة الناس فى الشارع، ومنها جملة «واحد صاحبى ما تعرفوش»، والتى ذكرنا بها الكاتب والسيناريست ايمن بهجت قمر فى نص حوار احد المشاهد فى مسلسل “فلانتينو”.