يوسف خليل السباعي
لا الباب مفتوح لرثاء محسن أخريف، ولاينبغي حتى التفكير في أن نرثي محسن أخريف الشاعر والروائي الذي اشتغلنا معا، بهذا القدر أو ذاك، داخل فرع اتحاد كتاب المغرب بتطوان، وكان رئيسا له.
هذا المثقف والمبدع المغربي الذي مات مغدورا بصعقة كهربائية، بسبب سوء التنظيم، في حضرة الكتاب وعيده، الكتاب الذي جعلوه بهرجة، واحتفالا كمالو أنه محتاج إلى طقس، ورفع الرؤوس إلى السماء، ثم التربص به، والرقص بالريش والدوران على ناره المشتعلة وظلالها الأفقية، ولكن لا معنى لعيد لكتاب داخل الخيم، والفدان المنسوخ بفعل غندور تنقصه التجهيزات، والمراقبة، بل وحتى المسؤولين لم يلتفتوا ويتنبهوا لتساقط المطر في ذلك الوقت المحزن.
لا أحد كان يعلم، وحده الله يعلم، وهكذا بين الميكروفون وأصل الماء والطفيلي الذي لاثقافة له ولإرضائه، صعق صاحبنا محسن أخريف، الذي لا أنسى ماحييت فضله، حيث قدمني في دورتين لعيد الكتاب، ولكن في قاعة دار الصنائع، وليس داخل خيمة، تعيدنا إلى فيافي الصحراء، والبداوة، دورة قدمت فيها شهادتي الإبداعية، وأخرى قدمت فيها الكاتب الرائعة فاطمة الزهراء الرغيوي قراءة لروايتي “روندا أرض الأحلام”.
قبل هذا الحادث المؤلم والمأسوي والذي أزهق روح شاعر روائي فذ كان يمشي للقمر حتى وإن كان في آخر الدنيا، لم أكن أحضر أي لقاء، حضرت مرة واحد في عيد الكتاب في دورته التي نظمت داخل خيمة من طرف رابطة ما وليس اتحاد كتاب المغرب، وحشرت فيه الكتب داخل الخيم، باكية، بألم، هي الأخرى، لأنه تم حبسها بقوة، لم أكن مرتاحا لذلك، وعبرت عن ذلك، بين فسحة وأخرى، ولم يسمعني أحد في ذلك الوقت، وأنا الذي كنت من أكبر المتابعين لعيد الكتاب منذ زمن بعيد، ونشرت، وكتبت عنه في الصحافة، وتكلمت لبرهة مع محسن أخريف، ولكنه كان مشغولا بتفصيلات البرمجة والعيد. والحقيقة أن لا أحد من الكائنات البشرية يعلم متى ستحين ساعته، أي موته، ومحسن المسكين، مات مغدورا، وموته كان قبالة من حضر الكتاب وعيده. ومع ذلك، بقيت كتبه، ورحل هو في طرفة عين.
ولا أجد أفضل مكتوب عن هذا المثقف والمبدع سوى ماسطره بدمه الشاعر الصحفي محمد بشكار عن موت محسن أخريف والذي يقول فيه إنه لايجيد المراثي.
كتب محمد بشكار ذات مرة: ” لا أجيد المراثي وأشك في جدواها لا لشيء إلا لأنها لا تفيد شيئا ما دام المعني بالأمر لن يقرأها بعد أن صار الموت الذي اختطفه حائلا بيننا وبينه للأبد.
محسن أخريف الذي مات مغدورا بسبب سوء في التنظيم بمهرجان عيد الكتاب بتطوان، يستحق بدل مراثي تؤبنه وهو مازال في روعة الشباب وليس فقط ريعانه، لمديح الحياة الذي يجعله يعيش وهو جامح في إبداعه الأدبي أكثر من عمر.
ولكن ماذا نصنع والكلمة للميكروفون المعطوب كانت أسبق إليه بنيران الكهرباء الصاعقة. فأي كلمة تستحق أن نقولها اليوم أو غدا بعد أن صار في بلدنا بين شهداء الكلمة من يقضون نحبهم غِيلة بحادث ميكروفون؟
محسن أخريف لا ينتظر من أحد مراثي تمتد بأدمعها في ألف كلمة، ولكن روحه القلقة تطالب بفتح تحقيق في هذه النازلة غير المسبوقة في مهرجاناتنا الثقافية لتقول العدالة كلمتها إذا قالتْ..!”…