الدكتورة نضار الأندلسي تكشف تفاصيل إصدارها الجديد ” تطوان بين المغرب والأندلس تشكيل مجتمع أندلسي مغربي في القرنين 16و17 ميلادي”
بقلم ؛دة . نضار الأندلسي
ما أقدمت على أمر باندفاع تلقائي واغتباط لاشعوري، وحماس لدني،مثلما اقبلت على البحث في تاريخ مدينة تطوان، فالبعض قد يستكثرعلى مدينة يصل عمرها إلى خمسمائة سنة ونيف أن تحضى بهذه الاهمية التاريخية وبحجج يقينية من لدن كل من المؤرخين المغاربة والأجانب.
لم تندرج تطوان كغيرها من المدن الناشئة من مدشر الى قرية، ومن قرية الى مدينة وإنما هي مدينة ولدت كاملة، فمن أول يوم جدد فيه بناؤها الأخير كانت مركزا للحضارة الأندلسية ومهدا للرقي المهذب، لأن مجددوها الغرناطيين جاؤوا حاملين لنور المعرفةجمعت خلاصة الخلاصات من العلماء والفقهاء والصناع والمهندسين والفلاحين والابطال والفرسان، الذين وفدوا اليها من كل بقعة في الفردوس المفقودلما وقعت مدنهم تحت سيطرة الإسبان، بعدما اتحدت النصرانية ضد الاسلام بزواج ملك أراغون بملكة قشتالةاللذان استهانا بالدين الاسلامي وضيقا الخناق على المسلمين الذين تحت امرتهم وتعرضوا لملاحقة محاكم التفتيش، فهاجر الذين ينظرون بنور الله بالدين والعرض والعلم والفن الى عدوة المغرب.
ثم تعرضت المدينةلأكبر قدر من التغيير السريع،فقد كانت محصورة بين أسوار القرن السادس عشر وتضاعف تعداد السكان الى درجة تكدست احياء المدينة و انضافت إليها أرباضا أخرى قي القرون الموالية.ورغم اننا لا نتوفر على معلومات إحصائية دقيقة عن هذه الفترة والتي هي على شكل تقديرات للمؤرخين، كل ما لدينا هو عبارة عن تقسيم عام للشرائح، فقد كان سكانها خليطا من الاجناس تغلب عليها الشريحة المسلمة، وتعيش في كنفها الشريحة اليهودية.
كما انه لم يتم تسوير وتبريج المدينة الجديدة وتحصينها إلا بعد اختيار الموقع والموضع ووفرة الماء فطلبوا الإذن من سلطان المغرب محمد الشيخ الوطاسي فأوفد إليهم جماعة من أهلفاس ليعمروا معهم المدينة. فجاء الفوج الاول ليشارك التأسيس وليكون عونا للمنظري ومن هاجر معه ضد من رفض وجودهم.
تأسست المدينة وكانت بنت غرناطة، واظهرت حضارة فيها من المتانة والدقة.فذاع صيتها،وبعد مراسلات وفتاوي مع من ظل في الاندلس. وفدت عليها الوفود وقصدها المضطهدين وأصبحت مهجرا لليهود التجار،ومعقلا للابطال الجهاد وحصنا من حصون الاسلام. صمدت في وجه الإسبان والبرتغال والانجليز وتصدوا لغاراتهم لما عرفوا به من شدة الشكيمة والاستبسال في الدفاع.وإتقان فنون الحرب والجهاد، فحموا شواطئ مرتيل وحاصروا أعدائهم في سبتة. ثم ما لبث ان اخرجت ابطالا ومجاهدين نذكر منهم “السيدة الحرة ” و”آل النقسيس “والذين حموا من المدينة من دنس الاحتلال،واوجدوا بها نظاما سياسيا متفردا وربطوا اتفاقيات تجارية واستقبلوا وفودا ديبلوماسية وأجروا مفاوضات لتبادل الأسرى.وحرروا مراسلات لتفادي أي هجوم مفاجئ،وسهروا الى جانب الساكنةعلى تأسيس ارباضها السكنية والمنشآت والمرافق العامة كالمساجد والأسواق والاسبلة والحمامات، وارتبطت هذه المرافق بتخطيط المدينة العام ونظام الحياة فيها.
واصل أهل تطوانإنتاج المواد بالطريقة التي اتبعها أسلافهم على أرض شبه الجزيرة الإيبيرية.وتحدوا الخطوب والكوارث وبقىت آثارهم شاهدة على هذا الإرث الأندلسي.اما فيما يخص الآثار اللاماديةفمدينة هذا شأنها من تأصيل معرف الترقي من حسن التنسيق في المفروش والملبوس وكثرة التنويعفي المطبوخ والمشروب ورقة التفنن في المنقوش والمخروز مع سلامة الذوق في العرض والدقة في الترتيب الى المحافظة على العادات والتقاليد كمراسيم الضيافة والاستقبال وطقوس المواسم الدينية والاحتفال بالولادة والختان والزواج.الى الموسيقى الاندلسية التي اتى بها الفنانون الى المدينة من غرناطة ورندة ومالقة وفاس.
وتميز لباس المراة التطوانية بالجمع بين اقمشة مزخرفة واثواب رفيعة ووجدت مجالا فسيحا لإظهار اذواقها الشخصية فياختيارها للألوان المناسبة، ولفت حول رأسها أوشحة ذات الاطراف المزينة بمهارة لتشكل أغطية للراس.واستخدمت الاحزمة المذهبة والمطعمة بالمجوهرات لإظهار رشاقة جسدها وخصصت جزء من وقتها وفيرا في جهدها في حياكة ثيابها وما يلحق بها من زينة ومجوهرات.
وهكذا فإذا اضفنا الى ما كان للمدينة من علاقات سياسية واقتصادية وفنية مع باقي الحضارات سواء المغربية او العثمانية نجد انها كانت همزة وصلها بل كانت بوثقة تنصهر فيها الحضارات المختلفة وتصبغ باللون الاندلسي لكن في صورة تطوانية بحثة وذوق تطواني صميم.
عموما مازلت أرى ان اختياري لموضوع تشكيل مجتمع اندلسي مغربي يعود الى عاملين: اولهما أنه غني من جهة ومجهول الى حد بعيد من جهة اخرى. وثانيهما أن تاريخ المدينة تاريخا محترما في نظر العلماء المحققين، رفعه ذلك عن مستوى الاسطورة الى درجة الحقائق التاريخية التي لا لبس فيها.
وقد بذلنا مجهودات لتجميع المادة التاريخية من بطون المصادر وثنايا المراجع لمدينة تبدو لنا انها حالمة واقعة في أحضان الجبال الشامخة محاطة بألوان من الجمال الطبيعي ،وتنتهي بسهل يتصل بشاطئ بحر مرتين الذي مازال يغازل الأمواج التي شهدت أمجاد أسطولها الجهادي. ويظل اختيارنا لفترة القرنين السادس عشر والسابع عشر مقصودا، وذلك لمد الجسور مع مؤلفين سابقين، وما يمكن ان يضيف عملنا من صلات و تكميلات.لكي لا تبقى هذه الفترة من تاريخ المدينة مغمورة القيمة مهملة الذكر مجهول الأحداث.