البيضة والمقلاة في لوحة زيتية للفنان التشكيلي محمد الجعماطي

يوسف خليل السباعي

«يُصارع الطائرُ حتى يَنجح في الخروج من البيضة. البيضة عالَمُه. كل كائن حيّ عليه أن يُحاول تحطيمَ عالَمِه.»
هرمان هِسَّه.

يحشرنا عنوة الفنان التشكيلي محمد الجعماطي في رغوة صباغته الزيتية بمباغتتنا بلوحة تشكيلية جديدة، تختلف نوعا ما عن لوحاته التشكيلية الأخرى، لا من حيث الأدوية التي يستعملها ولا الألوان، ولا الصباغة، أو الرسم، ولا المنظور، أو الخطوط، فهو قد يعتمد في رسمه تشكيلية نموذجية تاريخية فنيا، بمعنى أن محمد الجعماطي باستعماله الصباغة المائية والزيتية يصدر في ذلك عن مرجعية فنية ضاربة في عمق التاريخ الفني والتشكيلي انطلاقا من تقنيات محددة في الرسم، الذي لايأتي من فراغ، وإنما له مرجعية فنية، كما نشاهد ذلك عند الفنانين والرسامين الروس وغيرهم، لربما ثمة تأثير ما، لكنه ليس تأثيرا كليا. والحقيقة أن هذا النوع من الفن، أو لنحدد أكثر، هذا الرسم هو مديني، بمعنى أنه ينتمي إلى المدينة والإنسان، إنه يقدم الإنسان في العالم، والعالم في الإنسان، ربما قد لايفهم هذه الأشياء إلا من يفهم في هذا الحقل الفني في أبعاده الإستتيقية، وفي التقنيات والملحقات التي يستعملها الفنانون والرسامون في تشكيل لوحاتهم. إلا أن الفنان التشكيلي محمد الجعماطي يقدم لنا في هذه اللوحة شيئا جديدا، ويتعلق الأمر مبدئيا بكسر لتقليد فني، إلا أنه يسترجعه بدوال ما، فلاوجود هنا للإنسان كمتخيل، للمدينة، في أجزائها، أو في فراغاتها أحيانا، كما يظهر في هذه اللوحة التي تتشكل من المقلاة والبيضة. قد يقول قائل، وهو يتأمل، مشهديا، هذه اللوحة، إن محمد الجعماطي يدعونا إلى شيء له علاقة بالغذاء، أو يدخلنا إلى مطبخ ما، فنتصور، بعملية بطنية ( من البطن) ، وليس ذهنية، بما أننا أمام مقلاة وبيضة، أن هناك إعداد لطعام ما، ولكن الحقيقة أننا أمام عملية معقدة لدال المقلاة أولا، ودال البيضة ثانيا، إننا، في الحقيقة، أمام تركيب جملة:” هذه بيضة ومقلاة”.

فاللوحة صامتة، لكننا نتكلمها من خلال جملة. ولكن، هذا لايكفي. لننطلق، والحالة هذه، لمحاولة فهم اللوحة أكثر.

إن البيضة لكي تغدو على ماهي عليه مقلية لابد لها من مقلاة، فلايمكن أن نقلي بيضة في الهواء، وإنما في مقلاة تحوطها، وهذه المقلاة لابد لكي تقوم بعملها في قلي البيضة تحتاج إلى النار، بيد أننا لانبصر النار في اللوحة، إنها ذلك المسكوت عنه في اللوحة، ولكنها ظاهرة من خلال الألوان، فاللوحة في خطوطها لاتغفل أي شيء، إنها لوحة متكاملة تشكيليا، إذ ثمة ألوان نارية، بنية كالنار، برغم البياض الذي يغطيها، بل وحتى لون فص البيضة كذلك.

وحتى لايصاب القارئ بالدوار، ونصل إلى محاولة فهمنا للوحة، لندع الآن المقلاة جانبا، ولو أن لها دورا في اللوحة، ونستغني عن دالها، أو دال البيضة، ونفسح المجال لمدلول البيضة، فنحن، في الانتهاء، أمام بيضة، هي التي تتوسط اللوحة في خطوطها الهاربة، وهذه البيضة سواء كانت في مقلاة، أوخارجها، هي بيضة، حتى وإن كانت مقلية، فهي شيء، في الأصل، كان مغلقا، أي عالم ، ومن هنا فرادة مقولة الكاتب والمبدع هرمان هسة، والتي قدمت بها لهذه القراءة التشكيلية للوحة محمد الجعماطي، فالبيضة ليست شيئا آخر سوى ذلك العالم، الذي نعيشه اليوم بكل حجره، وانغلاقه، وعزلته، والذي ينبغي تحطيمه كما يفعل الطائر حين يريد الخروج من البيضة، فهو يصارع في الخروج من البيضة التي هي عالمه بتحطيمها.

إن الفنان التشكيلي محمد الجعماطي يشكل لنا بيضة في مقلاة، تلميحيا، ولكنه لايفسرلنا، لأن هذا ليس هو دور الفنان أو الرسام. فالفنان يقول لنا هذا هو العالم. لكنه يقول لنا، أيضا: نعم، ولكن!

Loading...