بقلم: عصام الكيلو*
مع اجتياح فيروس كورونا 19 المستجد المغرب والعالم ككل، ألقى بظلاله على مختلف القطاعات خاصة مع التدابير الوقائية التي اتخذها المغرب للتصدي لهذا الفيروس والتقليل من آثاره.
ومع إضافة مدة جديدة المتعلقة بحالتي الطوارئ والحجر الصحي إلى 10 يونيو 2020، من هنا وهناك نلاحظ تزايد أصوات منادية إلى تدخل المجالس الجماعية الترابية وانخراطها هي الأخرى للتقليل من اثار هذا الحجر الصحي.
وحتى نؤصل الى مجالات تدخلات الجماعات الترابية المسموح لها بما يكفله القانون، سنحاول هنا التطرق الى دور الجماعات الترابية في ظل وجود جائحة فيروس كرورنا المستجد covid19.
بعد ظهور وانتشار وباء كورونا فيروس وما نتج عنه من مخاطر على المستوى البشري والاجتماعي والاقتصادي، طرحت مجموعة من التساؤلات بخصوص أدوار الفاعلين المؤسساتيين في مواجهة هذه الجائحة.
وإلى جانب السلطات العمومية ممثلة في البرلمان والحكومة والسلطة القضائية، يجب على جميع المؤسسات الأخرى النهوض بالمهام الملقاة على عاتقها لمواجهة هذا الوباء. ومن بين هذه المؤسسات نذكر الجماعات الترابية التي أسند لها المشرع عدة اختصاصات في هذا الخصوص.
فالجماعات الترابية بما فيها الجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات، تتولى طبقا للقوانين التنظيمية المنظمة لها، ممارسة العديد من الاختصاصات التي يمكن من خلالها مواجهة وباء كورونا والحد منه مع ما يترتب عن ذلك من وقف العدوى، والمساهمة في تحقيق حماية الأشخاص وأقربائهم طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 21 من الدستور والذي استندت عليه الحكومة لإصدار مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية.
ولتوضيح أدوار الجماعات الترابية في مواجهة جائحة كورونا، سنتولى تحديد وتحليل الاختصاصات المرتبطة بهذا الظرف كما يلي:
1ـ على مستوى الجماعات.
طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، تتولى الجماعات تقديم خدمات القرب باعتبارها أقرب وحدة ترابية للسكان، وتتولى ممارسة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
ومن بين الاختصاصات الذاتية التي تقوم بها الجماعة عادة، ويجب أن تقدم بشكل جيد وأفضل خلال فترة الطوارئ الصحية نذكر ما يلي:
توزيع الماء والكهرباء، من خلال الحرص على تزويد الساكنة بهذه المادة الحيوية خصوصا في هذا الظرف الخاص الذي يتطلب استعمالا كبيرا للماء في غسل الأيدي والاستحمام وتنظيف الملابس والبيوت وجميع المواد المستعملة كتدبير وقائي من شأنهالحماية من انتقال الفيروس.
تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح… وكتدبير رئيسي في هذا الخصوص فالجماعات ملزمة بتنظيف وتعقيم جميع الفضاءات العمومية الواقعة في دائرة النفوذ الترابي للجماعة بما فيها الشوارع والأزقة وأسواق الجملة وأسواق القرب والأسواق الأسبوعية… وهذه العملية بجب أن تتم بشكل متواتر تفاديا لانتشار الفيروس.
نقل الأموات والدفن، فالأشخاص المتوفون بسبب الفيروس يجب أن يخضعوا لإجراءات خاصة في عمليات الدفن، ولذلك يمكن للجماعات أن تتولى عملية نقلهم ودفنهم، ويمكن لمكتب حفظ الصحة أن تشرف على هذا الأمر، وهذا ما من شأنه ضمان عدم انتشار الفيروس، والرفع نسبيا من معنويا أسر الضحايا.
وبالنسبة للجماعات الفقيرة من حيث الموارد المالية، يمكنها الاستفادة من التعاضد بين الجماعات وذلك عن طريق إسناد ممارسة بعض الاختصاصات لمجالس العمالات والأقاليم طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 84 من القانون التنظيمي للجماعات والمادة 6 من القانون التنظيمي لمجالس العمالات والأقاليم.وعلى مستوى الاختصاصات المشتركة والتي تمارس بين الجماعة والدولة بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة. فالجماعات يجب أن تساهم في صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة.
وإلى جانب مجموع الاختصاصات التي تتولى ممارستها الجماعات، فالقانون التنظيمي 113.14 يخول لرؤساء مجالس الجماعات صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع. ومن بين الصلاحيات التي يجب على رؤساء مجالس الجماعات تفعيلها بشكل كبير في هذا الظرف الطارئ لمواجهة جائحة كورونا نذكر ما يلي:
السهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها؛
تنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها؛
مراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور، وبصورة عامة كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة؛
السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة، وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها؛اتخاذ التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها…
المساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو للاستهلاك العمومي؛
السهر على نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب وضمان حماية مراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة؛
اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها؛
اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الأخرى؛ممارسة شرطة الجنائز والمقابر واتخاذ الإجراءات اللازمة المستعجلة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق، وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن واستخراج الجثث من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل
2 ـ على مستوى مجالس العمالات والأقاليم.
عملا بمقتضيات القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بمجالس العملات والأقاليم، يعهد لهذه المجالس ب صلاحية ممارسة بعض الاختصاصات بالوكالة عن كل أو بعض الجماعات الموجودة بترابها إذا تبينت نجاعة ذلك، إما بمبادرة من الجماعات المعنية أو بطلب من الدولة التي تقدم تحفيزات لهذه الغاية، ويشترط في جميع الحالات موافقة مجالس الجماعات المعنية (المادة 6).
كما تعمل هذه المجالس طبقا لمقتضيات المادة 78 من القانون التنظيمي المتعلق بها، على القيام بما يلي:
توفير التجهيزات والخدمات الأساسية خاصة في الوسط القروي؛
تفعيل مبدأ التعاضد بين الجماعات، وذلك بالقيام بالأعمال وتوفير الخدمات و إنجاز المشاريع أو الأنشطة التي تتعلق أساسا بالتنمية الاجتماعية بالوسط القروي؛
محاربة الإقصاء والهشاشة في مختلف القطاعات الاجتماعية.
وفي نطاق الاختصاصات الذاتية لمجالس العمالات والأقاليم، تمارس هذه الأخيرة مجموعة من الاختصاصات منها ما يلي:
وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقر والهشاشة؛
تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة؛
ومن بين الاختصاصات المشتركة بين مجالس العمالات والأقاليم والدولة، نذكر ما يلي:
تأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والتكوين والبنيات التحتية و التجهيزات؛
تنمية المناطق الجبلية والواحات؛
الإسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء؛
التأهيل الاجتماعي في الميادين التربوية والصحية والاجتماعية والرياضية.
3 ـ على مستوى الجهات.
استنادا على مقتضيات القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، تتولى الجهات مجموعة من الاختصاصات (الذاتية، والمشتركة، والمنقولة)، وبالتمعن في الاختصاصات الذاتية للجهات يتبين بأنها لاتخول للجهات صلاحيات مباشرة في علاقة بمكافحة الأوبئة.
أما على مستوى الاختصاصات المشتركة، فالجهات تمارس بشكل تعاقدي مع الدولة مجموعة من الاختصاصات التي يمكن تفعيلها لمواجهة الجائحة، نذكر منها:
البحث العلمي التطبيقي،تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء وفك العزلة،المساعدة الاجتماعية، التأهيل الاجتماعي.
كما يمكن للجهات أن تتولى ممارسة بعض الاختصاصات المنقولة من طرف الدولة (المبادرة تكون هنا للدولة)، ومنها ما يلي:
الصحة، التعليم، الطاقة والماء والبيئة.
الخلاصات الأساسية:
من خلال مجموع الاختصاصات التي أسندها المشرع للجماعات الترابية بمستوياتها الثلاثة، يتبين بأن العديد من الاختصاصات يمكن تفعيلها لمواجهة جائحة كورونا، وتبقى الجماعات هي المعنية بشكل مباشر، ولهذا ينبغي للجماعات أن تقوم بكل التدابير التي من شأنها حفظ الصحة ومكافحة الوباء على مستوى النفوذ الترابي للجماعة.
وبالنسبة للجهات ومجالس العمالات والأقاليم فهي الأخرى معنية بمواجهة الجائحة في حدود اختصاصاتها المشار إليها أعلاه.
وتبقى جميع الجماعات الترابية بالمغرب معنية بضرورة الانخراط في المبادرات التي اتخذتها السلطات العمومية، وأن تحرص على التنسيق الدائم مع ممثلي السلطات المحلية على المستوى الترابي (الولاة والعمال وباقي المسؤولين على المستوى الترابي) احتراما للمادة الثالثة من مرسوم حالة الطوارئ الصحية التي تنص على “… يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في حالة الطوارئ المعلنة…”.
كما أن الجماعات الترابية يجب أن تجتهد في كيفيات تقديم المساعدات الاجتماعية للمتضررين من جائحة كورونا وهذا ما ينبغي أن يكون بتنسيق مع السلطات المحلية وتحت إشرافها تفاديا لأي استغلال سياسي للمساعدات الاجتماعية، وحفاظا على تدابير السلامة الضرورية لمنع انتقال العدوى.
ويجب على الجماعات الترابية أيضا المساهمة في مبادرات السلطات العمومية الهادفة لإقامة مستشفيات ميدانية وتجهيز المستشفيات القائمة وتوفير الآليات الضرورية كسيارات الإسعاف والمواد شبه الطبية كالمعقمات والكمامات مثلا.
ويجب أن تشكل حالة الطوارئ الصحية درسا يجب الاستفادة منه لتطوير الإدارة الالكترونية والخدمات عن بعد على مستوى مجموع الجماعات الترابية.
وفي النهاية يجب الإشارة إلى أن مواجهة جائحة كورونا ليست من مسؤولية الدولة والسلطات العمومية لوحدها، وإنما هي مسؤولية جميع مكونات المجتمع من مؤسسات وأفراد. فالكل معني بشكل مباشر، وهذا ما يتطلب ضرورة الالتزام بالتعليمات التي تصدرها السلطات العمومية تحقيقا للأمن الصحي الذي يبقى الغاية الأساسية من إعلان حالة الطوارئ الصحية.
* طالب باحث في ماستر الحكامة وسياسة الجماعات الترابية وأيضا في مسلك الدراسات الاسلامية وتاريخ الفكر السياسي والفسلفة”.