يوسف خليل السباعي
في أي رسم للطبيعة عند أي رسام أوفنان لابد من مثول الألوان الواضحة أو الغامضة، حيث تضحى اللوحات المرسومة مسرحا للألوان وضربات الفرشاة: في هذا الشطر الأول المتجلي، المرئي، تمنحنا اللوحة التي تتخذ من الطبيعة موضوعة لها جسدها تلقائيا، وهذا ما نلامسه في لوحات فان خوخ، حيث تتبدى الألوان الحمراء والصفراء والزرقاء والليلكية صارخة، واضحة، وملتهبة، لكن هناك لون يبرز في اللوحات، هو اللون الرمادي، الذي يكون وسطيا بين الأسود والأبيض.
أما في الشطر الثاني، المتخفي، الغائر، فإن اللوحة التي تتخذ الطبيعة موضوعة لها، لاتمنحنا شيئا، ولا نتمكن من إدراك دلالتها، إلا أننا نفهم، قصديا، أنها تخفي شيئا ما، أو معنى لا معنى له، فالمتأمل قد يقول: إن الفنان يحاكي الطبيعة، وبفرشاته والألوان التي يستعملها…. آه… إنها الطبيعة، (فلا يوجد، بداهة، أي رسم أو عمل تشكيلي من دون ألوان، ولاالضربات المختلفة للفرشاة على جسوم اللوحات)، بيد أن الرسام والفنان يقول، بدهاء: هاكم ما حاكته أطراف أصابعي من مفاتن الطبيعة، لكن الأمر مختلف إطلاقا. فالرسام والفنان لايحاكي الطبيعة، وإنما يحورها، ومن خلال هذا التحوير يخلق طبيعته الخاصة انطلاقا من رؤيته للأشياء الموجودة في العالم، فالرسام والفنان لايذهب إلى الطبيعة، كدحا، أو، نزهة، وإنما هي التي تأتي عنده على طبق من ذهب. وفي لوحات بوزباع شيء من هذا الذهب الإبداعي.
إن الفنان التشكيلي محمد بوزباع، في رسمه للطبيعة، يجردها من “حقيقتها”، أي من تلك النظرة المألوفة للطبيعة.
إنه يجعلها طبيعة عارية، ميتافيزيقية، غير محسوسة، إلى حد أنه يمزقها، ويخلق طبيعته هو، أي كما يتخيلها، طبيعة بدائية! طبيعة ملتبسة، غارقة في بحر من الألوان المختلطة، التي تدل على تناقضات المرارة والكآبة والقوة والإبتهاج، وغيرها، والتي تثير أكثر من سؤال!
إن طبيعة بوزباع، بألوانها الواضحة والغامضة، المؤثرة والزائغة، تحوي حركة، إلا أنها عارية… وفي الوقت ذاته، تملأ العين باللؤلؤ المكنون.