يوسف خليل السباعي
حكايتي مع جريدة ” الشروق” التي كان يديرها ببراعة صحفية الصحافي حميد زيد هي حكاية ينبغى أن تروى بماء الحبر الشفاف.
ذات يوم، وبعد أن غادرت “العلم”، قلقا، ولكن بمسؤولية، كان لابد لي من جريدة أعمل بها مراسلا صحفيا، لا أتكلم عن جريدة محلية أو جهوية، وإنما ك” العلم” وطنية.
ماذا أفعل، والحالة هذه، وأنا بلا جريدة، فقد اشتقت إلى تلويثها، ولكن حتى الآن الجريدة وطنية. هل سأكتفي بجريدة “تمودة تطوان”؟!… لا هذا أمر لا أقتنع به ولايقنعني.
في صباح من الأصباح، وكانت السيدة الجميلة الانتخابات في باب المدينة تنتظر أن تعطي للمتسابقين الإشارة بالانطلاق والقفز على الحواجز، فالسباق على الكراسي قد بدأ، التقيت بعزيز العمراني، لعلكم تعرفونه:( قالها الشريف)، وهو صديقي، فطلب مني أن نروح لمقر حزب الحمامة الذي كان يقع بالقرب من مسرح الولاية في ذلك الوقت، فرحت معه، والتقينا برشيد الطالبي العلمي، ومن هذا اللقاء، وفي غمضة عين، أصبحت مراسلا صحفيا لجريدة “الشروق”، وهذا فضل من رشيد الطالبي العلمي ليس علي أنا، وإنما فضله على كثير من الناس، وتلك قصة أخرى، ولكن ثمة فضل آخر جاء من طرف المستشار البرلماني محمد البكوري الذي أوصلني ذات يوم بسيارته حتى مقر الجريدة بالرباط، وهناك قابلت حميد زيد مدير “الشروق”، ولم أكن أعرفه إلا من خلال كتاباته، ولا أتذكر أحدا آخر سوى حميد، أما رئيس التحرير، فقد كان الاتصال به عبر الهاتف الخلوي، وهكذا كان الاتفاق وشروطه التحريرية والمالية، بدأت ماكينة الخياطة الصحفية تعمل وتدور، وأنا أدور معها، وفي كل يوم أرسل ستة مواد صحفية، تنشر أولا تنشر، الأهم، أن الماكينة تشتغل، وفي آخر الشهر ٱقبض المال، ولكنني، في حقيقة الأمر، كنت أشتغل مراسلا صحفيا، ولمدة عام، بحذاقة وانضباط كعسكري صحفي، وهو أمر مطلوب أحيانا في العمل الصحفي، وليس دائما، فالحقل الصحفي هو حقل خبري وتعبيري، ولكنه، عندنا، في المغرب، ليس حياديا ولامستقلا، ومن يدعي غير ذلك، فليرى العشب الأخضر، إنه أمامه.
وفي يوم مشرق كوجه “الشروق” اختفت الجريدة من على كوكب الأرض إلى حد أنني صدقت أنها صعدت إلى كوكب المريخ، وأنها ستنتظر لسنوات عديدة وطويلة جدا لتكتشف تربة الكوكب هل هي صالحة للبناء والسكن، وتستقر هناك حتى يصعد بعض سكان الأرض ليعيشوا معها وبجوارها وبالقرب منها، ولما سألت عنها في الأكشاك والمكتبات، قيل لي: “إنها لم توزع!”… ياللهول لم توزع!، قلت في نفسي، متسائلا: ” كيف، لم توزع، وأنا أبتاعها كل صباح”. وفي هذه اللحظة التاريخية المؤلمة، وبعد عام من الجري، والتحري، والكتابة والتحرير، والطلوع والهبوط، والصعود والنزول، إذ نزلت حتى أنا معها كما لو أن حبيبتي تقودني إلى االأسفل وأنا في غفلة، ودماغي طائش، ولا ذبابة واحدة تضايقني، ولكن يضايقني حال الجريدة التي لم توزع، فأمسكت هاتفي النقال واتصلت بالمدير حميد زيد، وسألته عن السبب، فقال لي” الجريدة توقفت!”، فأحسست بصدمة وغرابة. عام من العمل، ولم تتوقف تلك الماكينة اللعينة، وهاهي الآن توقفت، ولكن بعد انتظار جاء التعويض المالي، وسكتت ماكينة “الشروق”، تلك الجريدة التي حين كنت أنظر إليها، أو كنت أمسكها في يدي كما في الصورة، أقول في نفسي:” …حينما أشرقت كالنور في قلبي!”.