يوسف خليل السباعي
يعتقد بعض النقاد السينمائيين أن القراءة النقدية لفيلم سينمائي معين محاولة استيعاب كل تفصيلات الفيلم، وإدراك كل ميكانيزماته، لأترجمها إلى العربية: إوالياته.
وأنه يجب على الناقد السينمائي أن لايرفع رأسه إلى السقف ويفكر في شيء آخر بعيد كل البعد عن الفيلم، إن الناقد السينمائي يتصور نفسه أنه سيعيد كتابة الفيلم السينمائي من خلال ملحقاته التي حفظها طوال عمره، أو حين متابعته الأفلام التي شاهدها، ولكنه يظل ملتصقا بالكرسي داخل قاعة السينما، أو من خلال واسطة أخرى، وهو يتفرج، في مايبرمجه القيمين على المهرجان، الذين لايجدون الوقت الكافي لمشاهدة الأفلام برمتها، لأنهم مشغولون بأهواء أخرى.
إن الناقد السينمائي حينما يشاهد الفيلم لايكتب، وفي أي واسطة، أوشاشة، لايسجل رؤوس الأقلام في ورقة، لايمكن له ذلك، لأن القاعة مضاءة من خلال الشاشة، والمكان الذي يجلس فيه مظلم، لأن شريط النور في الشاشة، وعيون الناقد تسجل، ولكن عن طريق عمل الدماغ، وحين يتوخى هذا الناقد الكتابة يكتب من ذاكرته، والذاكرة لاتسجل كل التفصيلات، وإنما الأجزاء، وبعض المشاهد، واللقطات، وأشياء أخرى، ويستعمل هو الآخر الاسترجاع، ولكن هذا الاسترجاع ليس إلا لمعان الذاكرة، الذي يتسرب كالماء، ولكن الناقد يكتب من ما تعلمه من ملحقاته العينية والمخيالية، ومن قراءاته، ومشاهداته، إلا أنه لايكتب، في آخر المطاف، إلا تأويلات ، والتأويلات “هوى”، والهوى ذاتي، ومنتوج خيال، وهذا يعني أن مايكتبه الناقد السينمائي، نسبي، ولايصدر إلا عن تخيلات، وما وراء لغته هو عن الفيلم وليس كما صممه مخرجه، لأن الفيلم السينمائي، وإن كان عمل جماعي، فإن كل جزأ فيه هو من رؤية المخرج المتكاملة، والحقيقة أن المخرج السينمائي المثقف عندما يتكلم عن فيلمه يكون أكثر قدرة على الإقناع، لأنه يتكلم عن إدراك كلي لفيلمه، إلا أن هذا الأمر ليس مطلوبا.
ولكن مايغيب عن الناقد السينمائي هو تقطيع الفيلم وتركيبه، لأن الفيلم السينمائي ينطلق من مركبية كبرى، ولكن هناك شيء آخر، فتيشي، إذاصح القول، لاينتبه له كثيرا، هو أن أكتب عن مشهد، أو حركة، أورائحة، أو فكرة، أو تيمة، أو دال في الفيلم، وبما أنني كتبت عن بعض الأفلام السينمائية كصحفي، وليس كناقد سينمائي، لأنني لا أدخل في زمرة النقاد السينمائيين اقتطعت لكم هذه القطعة من طرطة فيلم ” همنغواي وغيلهورن” كتبتها ذات يوم من زمن ضائع:
في فيلم ” همنغواي وغيلهورن” (2012) للمخرج فليب كوفمان، بطولة كليف أوين ونيكول كيدمان، حيث تحكي غيلهورن ( نيكول كيدمان)أحداث قصتها مع صاحب رواية “الشيخ والبحر”، وعلاقتهما، وماتشوبها من غراميات واضطرابات، وغيرها، مار اقني في نيكول كيدمان هو أداءها المتفرد. لكن الشيء الذي أ متعني أكثر في الفيلم، رغم بعض الانتقادات التي وجهت للفيلم، حيث صور المخرج فظاظة الكاتب، واسقط بعض الحقائق التاريخية المعروفة في حياته، هو اكتشاف أحد طقوس الكتابة عند همنغواي وهي أنه كان يكتب واقفا، وبشكل سريع وعنيف من غير توقف في غضون الضغط على الآلة الكاتبة، مع ترك الصفحة المنتهية تسقط على سلة أمامه.