صلاح بوسريف
“استقلنا من كل شيء، ووضعنا مصائرنا في أيدي سياسيين
لايفهمون في السياسة سوى المناصب، وما سيجنونه منها من أرباح وعلاقات”.
كانت النتائج صادمة، في ما صدر من تقارير، حول القراءة في المغرب. المغاربة لا يقرؤون، بمعنى لا يدخلون المكتبات، ولا يهمهم اقتناء الكتب، مثلما يقبلون على المطاعم، وعلى الأسواق والمتاجر، وعلى اقتناء الهواتف، وتغييرها في أقل من المدة التي تقتضيها صلاحيتها من باب الادعاء والتباهي، وثمة من يحمل في يده أكثر من ثلاثة هواتف، باعتباره شخصاً مهما، وصاحب مشاغل ومهام كثيرة، الهواتف تعبر عنها، أو هي واجِهةٌ لأهمية صاحبها، كما يتصور. نفس الأمر ينطبق على التباهي باقتناء أحدث السيارات. وغيرها من أدوات الاستهلاك والفرجة. لا وجود في حياتنا للمعرفة، فنحن نعرف كل شيء، ولا حاجة لنا بالثقافة، فما أخذناه من المدارس والجامعات، كان من أجل أن نصبح موظفين، لنا رواتب شهرية، وزوجة، وبيت، وأبناء، ونقتني، أو نقترض لاقتناء ما نريد من تجهيزات منزلية حديثة، لأن المدارس التي تعلمنا فيها، لم تُرَبِّنا على الكُتب، ولا على المعرفة والثقافة، فهي اكتفت بأن جعلتنا نصبح مواطنين، حياتنا بعد العمل، هي استجمام، وفرجة، وجولات في الأسواق، أو استرخاء في المقاهي والبيوت لمشاهدة مباريات كرة القدم، أو المسلسلا والأفلام المكسيكية أو التركية. غير هذا لا يعنينا في شيء. لا نذهب إلى السينما، ولا نذهب إلى المسرح، ولا نستمع إلى الموسيقى، ولا ندخل المتاحف ومعارض الفنون، لا يعنينا التاريخ، ولا الأنتربولوجيا، كما لا تعنينا الرواية ولا الشعر، ولا الفلسفة أو الفكر، حنى الدين نأخذه ظاهرياً، بلا عمق، ولا معرفة أو تدبُّر، ونكتفي فيه بما يجري في القنوات الفضائية، دون أن نكلف نفسنا العودة إلى مصادره الأساسية، وهي موجودة ومُتاحة. فالحياة، عندنا، تجري خارج المعرفة والجمال، وخارج العقل والخيال، ونكتفي، فقط، بأن نُدِير وجودنا بمعناه الطبيعي، ولا يهمنا معناها الثقافي، مثل كل الكائنات الأخرى التي تغادر جحورها وأوكارها، لتأكل وترعى، ثم تعودها إلى مهاجعها، في انتظار يوم آخر، وهكذا دواليك.
ألهذا خُلِقَت الحياة، أن يكون فيها الإنسان «الحيوان الناطق» العاقل، المفكر، مسلوب المعنى، جسم بلا فكر ولا روح، يعمل مثل الآلة، يعيش في مغارة مظلمة قاحلة، تفرض عليه أن يفعل نفس الشيء كل يوم، وأن يأكل ويلبس وينام، دون أن يساهم في إدارة وجوده بطريقة تسمح له باقتراح الأفكار، وبالمشاركة في نقاش ما يعنيه من قضايا، سواء في السياسة، أو في المجتمع، أو في التجارة والاقتصاد، أو في الثقافة والعلم والمعرفة!؟
ألهذا الحد، صرنا مشلولين، نخرج من بيوتنا صباحاً لنعود إليها مساء، مثل الطير حين تؤوب إلى أوكارها، عقولنا واقفة، لا تفكر سوى في سفاسف وصغائر الأمور، ولا تكلف نفسها عناءً، في النظر، وفي قراءة ما يجري حولها من مشكلات تتفاقم وتزداد يوميا، دون أن نُعِيرَ لها أهمية، رغم ما فيها من خطر على حياتنا، وعلى وجودنا، وعلاقاتنا الاجتماعية!؟
استقلنا من كل شيء، ووضعنا مصائرنا في يد سياسيين لا يفهمون في السياسة سوى المناصب، وما سيجنونه منها من أرباح وعلاقات، لأن هؤلاء، فهموا أننا تركنا لهم الحلبة فارغة، لذلك فهم يلعبون فيها كما يشاؤون، ويدركون، من خلال ما يصدرونه من تقارير تفضح الجهل المستشري عندنا، أننا لن نحرك الساكن، لأن العقل الذي سيفكر ويتدبر ويرى ويفهم، لا يقرأ، ولا يفتح جرائد ولا مجلات، وهو قابع في ظلامه، نائم، لن يخرج من غفلته، لأن لا معرفة ولا علم ولا جمال يطرق بابه، أو يُثِير فيه رغبة الانخراط في واقعه ومجتمعه، وفي فهم ما يجري حوله من مشكلات، على الأقل. فالشمس خارج بيته، و هو في ما يظن، ينام في العسل.