الماء والسراب في لوحة للفنان التشكيلي محمد بوزباع

يوسف خليل السباعي

أعلم علم اليقين، ولو أنه ليس هناك من يقين في الفن التشكيلي، أن أصواتا ستخرج من البئر لتقول مايكتبه يوسف خليل السباعي عن الفنان التشكيلي المبدع والمحترف محمد بوزباع ليس إلا من طينة الأدب يعجنه كما يعجن رغيف الخبز، ثم يدعو القراء لتناوله، وأنا أحب أن يكون خبزي حافيا، وليس خبز المحلات المضيئة المحشوة بالخبز العامرة، ولا شيء عامر، فليس هناك إلا فراغات يتركها الفنان التشكيلي محمد بوزباع أملأها من هوى ومنتوج خيالي.

والهوى نسبي، لأنه ليس إلا مجرد تأويل للوحة ستظل عائشة لأزمنة قد لا نلحقها.

في هذه اللوحة الآسرة بألوانها الرمادية الحزينة والبرتقالية الخفيفة المبهمة التي تكاد لا تظهر. الألوان المختلطة التي يلعب بها بوزباع أجد نفسي محجوز ا في جدار تشكيلي داخل اللوحة. إذ أن اللوحة تحجز كائناتها المرسومة في تباعد بدقة متناهية. كائنات تعاني من الحجر الداخلي ولو أنها في الخارج.

في اللوحة يوجد في الأمام دائما كائنات ظلية متجمعة لانراها إلا بصعوبة، وفي الخلف قريبا منا كائنات تنظر إلى الأمام، لكنها متباعدة عن بعضها البعض، وتنظر إلى الكائنات الظلية: كائنات السواد، ذلك الليل البشري، المتموج، المتدافع، والمتجمع، والذي يرمز للمجهول، وكائنات البياض المتفرقة، المتباعدة بمسافة فيزيائية وتشكيلية ماهرة، والمحسوبة هندسيا في إطار اللوحة كأنما بوزباع يظهر لنا الفارق بين الكائنات دون أن يقول لنا شيئا.

إن الفنان التشكيلي محمد بوزباع يظهر في اللوحة تخفيف الحجر مكانيا، ولكنه يجعله يتحرك في الدواخل، بمعنى أن بوزباع يجعل من الحجر في زمن الكورونا ملازما نفسانيا للكائنات التي يصعب عليها التخلص منه حتى ولوكان هناك تخفيف منه. فالكائن المحجور هو مقهور ومهدور، ولايمكنه الانفلات من وباء كامن، تاريخيا، وزمنيا، ونفسيا في لاشعوره.

ثمة في اللوحة بياض في الأفق، هذا البياض الملائكي هو مرعب، كل الكائنات تنظر إليه لا تلك المرسومة في الأمام أو في الخلف، إنه ليس إلا ذلك السراب الذي قد يتوهمه العطشان ماء.

وإذا كان الماء أصل الحياة، فإن السراب هو الجدار الذي يوهمنا بأن مانراه في الأفق حقيقي.

Loading...