الصحفي في مفرغ الأزبال، الريبورتاج

يوسف خليل السباعي

تقول إنك صحفي… آه جميل…، وإذن، ما ذا صنعت، أو صنع غيرك، ولا أعمم، لأن هناك صحفيين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بجروح وعذابات وألم ونضال، نضال حقيقي، وليس نضال الاختباء وراء الكونطوارات أو الكراسي.

أتذكر أننا في التسعينيات كنا نتكون كصحفيين، أي نشارك في تكوينات صحفية، لم تعد موجودة الآن، وكان في ذلك الوقت تكوين مع مؤسسة ألمانية بتنسيق مع المعهد العالي للإعلام والصحافة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية التي كان رئيسها آنذاك محمد العربي المساري رحمة الله عليه، وكان المشرف على التكوين الصحفي المعروف نور الدين مفتاح.

كان الجنس الصحفي الريبورتاج، ولم يكن التكوين نظريا فقط، وإنما ميدانيا.

الريبورتاج الذي قمنا به كصحفيين كان في المفرغ العمومي، أي داخل الأزبال، والنفايات، ومع الطيور والأبقار والكلاب، وكانت تخرج من هذا المفرغ روائح كريهة تسبب أضرارا خطيرة لسكان المفرغ من دار الزكيك.

وبعد التحري الميداني، والوصف، ومحاورة بعض السكان، حررت الريبورتاج، وكان الريبورتاج جاهزا.

ولقي استحسان محمد مفتاح، والمؤسسة والنقابة والمعهد، كما نجح زملائي في تحرير ريبورتاجاتهم.

هكذا كنا، بلاربطة عنق، ولا كرسي، ولا مكتب، ولا فخفخفة، ولاتقبيل الأيادي، ولا لحس الأحذية.

كنا ننقل معاناة الناس.

والآن، ماذا تفعلون… لا تكوين، ولاشيء.
لو دخل أحدكم إلى ذلك المكان لاختنق أو بال في سرواله من شدة الخوف. أما التحرير الصحفي، فتلك حكاية أخرى!

Loading...