يوسف خليل السباعي
في الصحافة، بالتجربة، ليس هناك لون أبيض، هناك ألوان متعددة، ولكل صحفي لونه، وليس هناك ملائكة في الصحافة، فهذا العالم، الذي أصبح اليوم مفتوحا، ومركبا، ولا يمكن التحكم فيه قطعا، مهما حددت له مساطر، لايعترف باللون الأبيض، ذلك اللون الملائكي، كما نتخيله، ولكن مالذي يجعلنا نتخيله هكذا، ربما، تلك الرسوم، ولكن ماهو أكثر من ذلك: الدماغ المحرك الأساسي للإنسان.
إن عالم الصحافة لاعلاقة له بهذا اللون، الحليبي، المضيء، والذي يجعل من التوازن دلالة، ولكن لاوجود لشيء متوازن في الصحافة، إنها مهنة لاتقوم على التوازن، وإنما القلق، فالصحفي قلق دوما، ويفكر في كيفية الوصول إلى المعلومة، وهو يحمل بطاقة صحفية، ويشتغل داخل مؤسسة إعلامية، أو مقاولة، أو شركة، إنه لايحمل بطاقة فقط، ولكنه يحمل ملحقات يشتغل بها، وهناك من يشتغل داخل مكتب، وآخرون خارجه، وقد يستغل، ويخدع، ويغتال، ودور الصحفي أو المراسل الصحفي في جبهات الحروب له دور خطير، وهو ذاته معرض للإصابة أو الموت، كما أن الصحفي قد يعتقل، أو يطرد، أو يصبح خارج اللعبة، ويكون مغضوبا عليه، وقد يكون من يحب المناصب داخل النقابات والمجالس، ويكتب أيضا من خياله، وهواه، ويحمل في قلبه السواد، حتى لا أقول اللون الٱسود، وفي أحيان كثيرة، لايكتب الحقيقة ولايتحرى عنها، ويراوغ، ويكذب، ويكولس، و يقدم لوائح متحيزة، وهناك من الصحفيين من لايعرف المعنى الحقيقي لمكارم الأخلاق، ويحب العنف، ويحتار بينهما. وهناك أيضا من يتحول إلى بوق إعلامي، ومغرم بالفضائح، وعيونه مفتوحة على الإشهار، والتشهير، والمستودع، وهناك من يتعود القذف والسب، و الخوض في الأعراض، ولايحترم أخلاقيات المهنة، ولكنه لايعرف اللون الأبيض، وبما أن الصحفي، ذكرا أو أنثى، ليس ملاكا، فإني أحب أحيانا هذا اللون الأبيض، الذي يذكرني بمشهد قديم في مدينة أصيلة. كتبت:
اللون الأبيض لون ملائكي، لون له طعم السحر. باهر حد الجنون.
إنه يحوي نعومة، ورقة, وهو لون الصفاء والأمل والفرح. لكن هذا اللون عندما يحتويه البحر خصوصا إذا كانت ترتديه المرأة على شكل لباس يكون أكثر إبهارا.
أتذكر عروسا جميلة كانت ترتدي ثوب زفاف أبيض ساحر، بهرني جدا، كانت ضحكتها بيضاء كالقمر. كما أتذكر، في شاطئ أصيلة، رجلا كان يرتدي بدلة بيضاء وقبعة بيضاء، وامرأة بيضاء الثوب والملامح بقبعة شمسية يخرجان من الشاطئ.
كان هناك فريق سينمائي يصور فيلما، لكن ماراقني جدا في ذلك المشهد هواللون الأبيض البراق الناصع، لون سحرني حد الهوس، وكنت آنذاك أتخيل نفسي أتقمص دور الرجل بتلك البدلة البيضاء المنمقة، الأرستقراطية، إلا أنني سرعان ماعدت إلى صوابي، لأجد نفسي جالسا على الرمال متكأ على ظهر سفينة قديمة.