بيت العنكبوت “طبق سمك على مائدة بحرية”

تعتقدون أنني أتحدث هنا عن البحر، لا ثمة شيء في الغور الكامن، لابد من المسك بك، لكنه ينفلت من قبضة اليد كالزئبق!

عندما تجلس في مطعم أمام البحر، ويكون البحر على بعد مسافة قصيرة، ولما تنظر إلى تفاصيله المائية السطحية يتبدى لك لوحة طبيعية لن يقدر بقدراته أن يرسمها فنان. إنها ليست لوحة ساكنة، بل متموجة ومتحركة.

لم تكن الأمواج هائجة في ذلك المساء، ولا أثر للحجارة، وحده الإنسان قد يكون في لحظات رأسه حجر، ولكن البحر لاينظر آليك، لايهددك حتى اللحظة، إنه هادئ، مسفر عن وجهه البريء. ولكن البحر غير قابل للاختزال، إنه في كل حالاته يعيش تقلبات، وتناقضات، وتموجات، وتحركات، مرة يكون موجه هادئا، ومرة أخرى يكون هائجا، إنه لايعرف الهدوء التام، ولا الاهتياج الدائم، البحر لاينتمي إلى اليمين ولا إلى اليسار، إنه في الوسط. البحر درامي، ولكنه غدار كالنار، التي تحرق. وإذن، البحر يغرق والنار تحرق، ولامفر من كونهما ينتميان إلى الطبيعة المفترسة، تلك الطبيعة التي عرفها الإنسان منذ البدايات، وكان يبحث من خلالها عن الحقيقة، ليكتشف، فيما بعد، كيف يصنع من أشيائها سبل العيش، ولكن بما أن البحر لاعقل له كما هو حال الإنسان، فإنه يمنحنا سمكه غذاء، ومن هنا كان الصيد طريقة اكتشفها الإنسان ليتغذى من هذا الحيوان المائي الأكثر لذة.

الليل يرخي سدوله على البحر المهتاج الآن، وأنت تنظر إلى علو أمواجه التي تلامس حافة المطعم، وعلى المائدة يضع النادل طبق سمك بحري، تأكل، من الطبق وتنظر إليه، ولكن البحر غدار، إنه لاينتمي إلى اليمين ولا إلى اليسار، إنه الوسط المفترس، الدرامي، المخادع والماكر.
وقد يكون، والحالة هذه، البحر ثعلبا، أو امرأة مجنونة!

Loading...