أنوار الخطابي
والألم يعتصر قلبي كمدا وحرقة على بتر أجزاء من جسمي الذي أعيش فيه ويعيش في، وتراها في وأراني فيها، وأستنشق هواءها اللطيف وتستنشق زفراتي المتحشرجة، فهي وهو كيان واحد ،إنها ملهمتي وكيان عمري مدينتي الحبيبة مرتين .تعود بي الذكريات الى زمن بعيد عندما كنا نسافر مشيا على الاقدام على شط البحر الى حيث الرأس الاسود الذي كان يبهرنا بجلاله وغموضه فيجذبنا اليه جذبا لنكتشف ذلك الضباب الكثيف الذي يلف الجبل الاخضر مثل عمامة شيخ وقور فترانا نسارع العدو وتلك الربوة التي تسمى دار السكيرج تتبعنا مثل ظلنا حتى كنا نعتقد ان هناك ارواحا خفية تسكنها تحاول إتعابنا وإرهاقنا باستحالة تجاوزها فتتلقفنا رياح الشرقي الدامعة في تواطئ خفي مع الدار المسكونة لتصدنا بدورها عن الوصول الى مبتغانا ونحن المهووسون المشتاقون بصدور عارية نرفع التحدي ضد هذه القوى الخفية كل زادنا صبر جميل ولوعة حبيب لمحبوبته.
لم تكن تلك الاجساد المرمرية الشقراء المتلفعة برمال الشط الذهبية المستلقاة على ظهورها أو على بطونها لتخطئها أعيننا الشقية حتى ولو كان هدفنا الاسمى والبريئ هو معانقة أرض نحسبها جزءا من جغرافيتنا المرتينية الخالصة، فإن وجود تلك العيون الزرق هناك كنا نعتبرها نحن أبناء البحر علامة رقي وتحضر هذه البقعة المستثناة من قريتنا التعيسة.لهذا كان حرصنا شديد في عدم إقلاق سكينة هؤلاء الغرباء والعودة بأقصى سرعة إلى أوكارنا حيث تكون شمس الاصيل قد صبغت الافق بحمرة الدم القاني تتلون بها مياه الوادي فيسري ماء أحمرا يختلط بماء البحر الازرق يتدحرج بين الاحراش والروابي القاحلة المكسوة بالاشواك ونبات الديس الخضراء المسننة، في تلك الساعة التي تمتزج فيها الارض بالسماء أكون كمن هبت عليه عاصفة غريبة من الحزن فيتملكني عندها حب دفين لتلك البلاد التي تركناها ورائنا أو كأنه الحدس او التنبؤ بأن مكروها اوشرا مستطيرا سيحل بتلك الرمال الناصعة وبذلك الجبل الكالح التائه في ذلك الهدوء المنسدل من السماء.
فياأيها الساسة المنغمسون في حمأة النزالات الدونكيشوطية البلهاء المتشدقون المتحذلقون بحب الانتماء، إن ربوة السكيرج وراس الطرف والتلول ونبات ظفر السبع والديس الاخضر وطيور القبرة وسپو دالواد والفكرون دالبحر يلعنونكم ليل نهار.