معرض “الفن من أجل الأمل”.. أو عندما تصبح الجائحة منبعا للحياة

إعداد: عبد اللطيف أبي القاسم

“الفن سينقذ العالم”، بهذه العبارة المنسوبة للروائي الروسي الشهير، فيودور دوستويفسكي، يدبج رواق «Atelier21» الكتيب التقديمي للمعرض الفني الجماعي الذي يقيمه بالدار البيضاء إلى غاية 15 غشت المقبل، تحت عنوان “الفن من أجل الأمل”، نكاية في الجائحة، جائحة كوفيد -19.

27 فنانة وفنانا مغاربة يقدمون في هذا المعرض أعمالا تكرس دور الفن في الصمود أمام اللحظة العصيبة التي تعيشها الإنسانية متمثلة في جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث حولوا فترة الحجر الصحي الذي فرضته الجائحة إلى مساحة للإبداع الخلاق ومنبعا ثرا للاحتفاء بالحياة والأمل في مستقبل أفضل في ترجمة حرفية للمقولة الشعبية المأثورة التي ترى أن “اللي ما قتلات تسمن” (ما لا يقتلني يقويني).

وبتعبير القائمين على المعرض فإنه “ليست هنالك مساحة للصمود والأمل أبلغ وأقوى من الفن في هذه الأوقات التي أثارت فينا الذعر، وتوقف فيها الزمن على نحو غريب، كمثل الحداد. حداد علينا وعلى العالم الذي نعيش فيه، وعلى الطبيعة التي خلقنا عليها والتي انسلخت منا فجأة”.

ويؤكد القائمون على المعرض في الكتيب التقديمي الذي توصلت به وكالة المغرب العربي للأنباء، “إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، وفي غمرة ابتلاء الحجر والخوف الذي نعيشه في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، نحتاج لما يمنحه الفن من معنى وقوة وجمال.. جمال يوقظ فينا مشاعر كنا نظن أنها لن تعود قبل مدة من غير يسيرة من الزمن.. مشاعر السعادة والحب والإعجاب، وكذا الأمل”.

ومن ضمن اللوحات التي يتيحها المعرض الذي يمكن زيارته افتراضيا بتقنية 360 درجة، تبرز لوحة الفنان التشكيلي محمد قنيبو، الذي اختار الاشتغال على الكمامة التي تحولت إلى أيقونة خلال فترة الجائحة، باعتبارها وسيلة وقاية لا غنى عنها للحيلولة دون انتقال عدوى فيروس كورونا.

ففي لوحته التي حملت عنوان “المغرب الذي أحب”، رسم قنيبو صورة بورتريه شخص يرتدي كمامة بألوان العلم الوطني تتوسطها النجمة الخماسية، في تعبير منه عن فخره بكون المغرب قد استطاع إنتاج ما يكفي من الكمامات ليكون في منأى عن عدم الاكتفاء الذاتي من هذه الوسيلة الذي يعد مؤشر خطر على انتشار الفيروس.

التشكيلي عبد الكبير ربيع، ساهم من جهته، بلوحة رسمها في غمرة الحجر الصحي بالفحم لمنظر طبيعي مرفقا إياها بابتهال مغنى من صميم الملحون المغربي يبعث الأمل في النفوس كلما تساءلنا عن هشاشتنا أمام مآل الوجود. هذا الابتهال ليس شيئا آخر سوى أغنية “يا لطف الله الخافي” التي يبتهل الناس فيها لله “صاحب الفضل الوافي” باللطف في ما جرت به الأقدار والتعجيل بالدواء والشفاء.

ولأن الأنشطة الرياضية تعرضت بدورها للحجر بسبب الجائحة، لجأ الفنان حسن حجاج، إلى الصورة الفوتوغرافية ليسلط الضوء على صمود النشاط الرياضي خلال هذه الفترة داخل المنزل حيث قدم صورة لامرأة تقوم بتمارين رياضية في منزلها بعدما وظفت علبا معدنية مستعملة من مختلف الأحجام وعبأتها بالاسمنت بما يجعلها تشبه الأثقال التي تستخدم في القاعات الرياضية.

والرسالة التي يتوخى حجاج تمريرها من خلال هذه اللوحة ليست شيئا آخر سوى الصمود في وجه الحجر الصحي وتوظيف أي حل ولو كان ترقيعيا، وبالوسائل المتاحة فقط ليستمر نشاط الإنسان من دون توقف ودون استسلام.

طريقة فنية أخرى للتعبير عن أثر الجائحة خلال فترة الصحي على الناس لجأ إليها الفنان محمد الباز الذي يساهم في هذا المعرض بلوحة على شكل صورة لمرآة كتبت عليها كلمات أغنية كوكب الشرق، أم كلثوم، “فكروني”، التي طالما اعتبرها الباز دعوة مفتوحة إلى عدم نسيان الفنان. هذه الأغنية التي تتحدث عن “حب ضائع” يتذكره صاحبها بمجرد كلمة عن الحبيب، تمثل بشكل من الأشكال تذكيرا بذكرى عالم اختفى بسبب الجائحة التي غيرت كل شيء بحيث إن ما بعدها سيكون غير ما قبلها.

الفنانة مجيدة خطاري، عبرت عن واحدة من التداعيات الكثيرة لفترة الحجر الصحي، وهو البعد الذي فرضته على الناس؛ بعد عن الأهل والأصدقاء والأحباب، وما خلقه من “إحباط عاطفي” ناتج عن عدم القدرة على معانقة من تحبهم بالأحضان. خطاري وجدت في القبلة (بضم القاف)، التي هي أبرز وسائل التعبير عن هذا الحب، طريقة للتوثيق لما فعلته الجائحة بالناس، حيث لجأت إلى طبع 56 قبلة بشفاهها باحمر شفاه وردي على 56 منديلا ورقيا من القطن بعدد أيام الحجر التي عاشتها.

هذه المناديل الورقية ستجمعها خطاري على لوحة فنية تعكس مختلف أشكال التعويض عن الإحباط التي عاشها الناس الذين كانوا بعيدين عن أحبابهم طيلة فترة الحجر الصحي. قبلة احترام وتوقير على يد الوالدين أو جباههم، أو قبلة محبة على خدود الأطفال الصغار، أو حتى قبلة عاشقة بين حبيبين.

هي إذن تعبيرات فنية من بين أخرى يسعى معرض “الفن من أجل الأمل” إلى استعراضها وتقديمها في زمن الجائحة في تكريس لفكرة تقول إن العمل الفني ليس مجرد تجسيد لشيء جميل يغري البصر ويثير العاطفة، وإنما هو أيضا فعل مقاومة يساعد على الحياة ويبعث رسائل الأمل في المستقبل في غمرة اليأس الذي تبثه الظروف العصيبة من قبيل الجائحة في نفوس الناس.

وكالة المغرب العربي للأنباء

Loading...