الحقيقة والتأويل..

مصطفى بودغية

“الحقيقة” فكرة أسست لفلسفات ميتافيزقية متنوعة حاولت كلها احتكارها.. قبل سيادة الفكر الديني.. ولهذا سمي أرسطو “المعلم الأول”.. أي أنه عرف “حقيقة الكون”.. وما على اللاحقين سوى تفسيرها و”تلقينها” للآخرين.. وهذا يفسر لماذا سيطر “أرسطو” فكريا قرابة عشرين قرنا.. حتى فتح ديكارت باب الفلسفة بسؤال جديد يدور حول “الكوجيطو” (الذات المفكرة).. لكن نفس البنية الميتافزيقية بقيت كامنة في النسق الفلسفي الديكارتي.. وفي الفلسفات التي ناقشت ديكارات..بمن فيهم “كانط” و”هيجل” وغيرهما..لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك إضافات وإشراقات فكرية مهمة في هذه الأنساق الشامخة..

غير أن مع الفلسفات المعاصرة ابتداء من “نتشه” و”كييركغارد” تحول الكلام عن امتلاك “الحقيقة” إلى الكلام عن التأويل لأجل الحقيقة.. ومع تداعيات التحليل النفسي والدرس اللسني وتطور السيميولوجيا..لم يعد “النص” يحمل “المعنى” بل أصبح مجالاً لتوليد المعاني.. وأصبحت القراءة تأويل..لنص تخترقه نصوصٌ متعددة تنفتح على تداعيات لا نهائية..وأصبحت النصوص.. أيضاً..تخترق الأنا والنص والواقع..واختفى الأصل لصالح التأصيل..والعقل لصالح العقلانية..والحقيقة لصالح التأويل..بصورة لا يبدو التأويل سوى عملية دمقرطة للحقيقة باقتسامها بين المؤولين..

لكن..رغم ذلك..ليس كل التأويلات سواء ولها نفس القيمة..التأويلات تتفاضل..لكنها يجب ألا تخرج عن كونها قراءات متعددة ومختلفة لنفس النص..قراءات تجتهد داخل النص..وليست قراءات مغرضة تسعى إلى تشويهه..أو تحميله ما لا يتحمل..

Loading...