فوزية بوزيتون
كنت أنام في غرفة منزوية في الدار الكبيرة، وكان للغرفة باب خشبي سميك يصدر صريرا قويا يعزلني عن العالم الخارجي، لكن آذاني الصغيرة كانت تلتقط كل الأصوات، حتى عواء ابن آوى كان يصلني من بعيد كأنه نشيد وحدتي ولازمة لطفولة متروكة لوحدة البراري.
أحلامي كانت جميلة ، على أنغام ليل البادية أغفو سريعا وأفتح عيناي على وقع النور المنفلت من كوة الباب الخشبي الكبير.
في أحلامي كنت أعيد تشكيل أحداث يومي بطريقة جميلة ومنصفة كما يحلو لعقلي الصغير أن يفعل. فالعصفور الذي سقط من عشه يعود آمنا بين جناحي أمه، والديك الذي علق بين براثين النسر ينفلت ويعود الى حياته ينقب حبات الشعير في أمان.
مع خيوط نور الفجر الذهبية الأولى، أستيقظ، أزيح جدائل شعري المشعث عن وجهي، انتعل حذائي البلاستيكي المهتوك، خيط نصفة بخيوط كثيرة الألوان، انقض على قنينة فارغة وانطلق اسفل التل نحو منبع الماء.
سكون جميل يملأ المكان، كل جزء من الطبيعة ينتفض يتثاءب، يستيقظ. اسرع الخطى في الممشى الترابي والهواء الخفيف يكنس اوراق الكرم اليابسة. ارفع وجهي نحو الشمس الصباحية الباهتة، اختلس النظر وسط الغيوم الجافة وانطلق…