الصرخة الغريبة في لوحة للفنان التشكيلي محمد الجعماطي

يوسف خليل السباعي

إن تأملية سريعة لهذه اللوحة الساحرة والصادمة للفنان التشكيلي محمد الجعماطي قد لاتمنح نفسها للمتلقي أو القارئ، بل وحتى للناقد التشكيلي ( مع الأسف، لايوجد في المغرب نقاد تشكيليون، إلا القلة القليلة، لكن هناك منهم من مات، ومنهم من هو باق على قيد الحياة) بسهولة. لماذا؟… الجواب، بكل بساطة، لأنها لوحة تخفي سرا عميقا أكثر ماتجليه. وإذن، ماهو سر اللوحة؟!… لربما، يكون الأمر يتعلق بتجربة فنية وتشكيلية وذاتية، مر بها في مرحلة من المراحل الفنان ذاته، وقد تكون غير ذلك. والفنان التشكيلي محمد الجعماطي مادام رسم هذه اللوحة، ومع الانتهاء منها، يكون قد وضع فيها كل الأثر، وجملة من الأحاسيس المختلفة والمتناقضة، ورؤيته وفكره، أيضا.

إننا، في حقيقة الأمر، إزاء لوحة ساحرة وصادمة، وغريبة، لايمكن مقاربتها، بل وحتى تأويلها إلا بالنظر إلى ألوانها.

إن الألوان المتموجة، العائمة، والمنتشرة على مساحة اللوحة كشلال: الرمادي، والبنفسجي، والأسود، والبني، والأبيض، هي ألوان تلمح إلى شيء متحول، والمتحول ليس هو الثابت، بمعنى أن الحركة اللونية هي حركة متحولة، لايمكن الإمساك بها، كما هي أحوال البحر وأجوائه، إنه لايستقر على شيء. إن هذه الحركة المائية المتموجة لونيا ليست إلا استدعاء للأصل الذي كانت عليه الحياة منذ القدم، أو بالأحرى، استدعاء للأمومي.

ثمة شيء طاليسي ( نسبة إلى طاليس) في هذه اللوحة التي لا تخلو من كائنات مبعدة، أو غارقة، أو مهمشة أو محطمة، إذ، مايعبر عنها حقا هو ذلك الوجه البشري “المشوه” الذي يفتح فمه واسعا كأنه يصرخ بطريقة غريبة احتجاجا على شيءما، وهو ذاته كائن غريب؛ ففي الواقع، لانجد فما بهذا الحجم لأي كائن بشري، ومن هنا، التحوير الذي يلعب عليه الفنان التشكيلي محمد الجعماطي، حيث يجعل من قاع فم هذا الكائن الغريب، الذي يصرخ بفظاعة، طريقا إلى المجهول.
إنها صرخة جنونية غريبة ومرتجة تجعلنا نشعر، من خلال تأملية عميقة للوحة، وتأويلية لها، في ذات الوقت، أن ثمة رعب من قاع المستحيل.

Loading...