بقلم؛عبد العزيز الطريبق
مرت سنة على وفاة أخي أحمد وفي الحقيقة مازلت لم أستوعب الأمر بعد. ذهب مع اشتعال موجة الفيروس اللعين الذي لم يترك لنا حتى فرصة توديعه بالشكل الذي يناسب حبنا له وألمنا لفقدانه.
لا يمكن تلخيص العلاقة مع الأخ في سطور وهي علاقة تمتد طويلا في الزمن. كل ما يمكن قوله هو أن أحمد كان صاحب شخصية كثيفة متعددة الأبعاد، من الصعب اختزالها في مظهر واحد. فهو الرجل المحب للحياة وهو المناضل السياسي الذي وهب حياته، وهو شاب يافع، لقضايا الوطن ونال أكثر من حظه في المعتقلات السرية، وهو المثقف الذي لم يضع أفقا لتعلمه ولا حاجزا أمام اقتسام ما تعلمه، وهو المفكر الكاتب الذي صارع لتأليف كتب في مجال صعب كمجال الفلسفة… قاوم لاستكمال دراسته بموازاة مع رعايته لأسرته وقاوم لنشر فكر تنويري منفتح ولم يبخل بجهده على الصعيد الجمعوي والحقوقي والثقافي عامة…
لقد عانى أحمد في صمت من تعسف قل نظيره انطلق مع إطلاق سراحه من معتقل “الدرب” الرهيب سنة 1975، واستمر إلى منتصف الثمانينات تقريبا. اعتقل في غشت 1974 “نيابة” عني بعد أن فشل البوليس السري في الإمساك بي، وتحمل ما تحمله من تعذيب وتنكيل وهو ابن ال18 سنة ليطلق سراحه 9 أشهر بعد ذلك لغياب أية حجة ضده… لكنه ظل موضع متابعة ومضايقات يهون أمامها السجن… فلقد حولوا أحمد إلى مشتبه فيه دائم (Usual suspect). يوزع منشور ما أو يكتب أحدهم شعارا ما على جدار في تطوان أو الشاون أو العرائش… فيعتقل أحمد من الشارع أو من المدرسة حيث يعمل أو من الحافلة خلال سفره ويقاد إلى كوميسارية ما ليخضع لاستنطاق أبله ولتعنيف مجاني قد يستمر يوما أو أسبوعا، بل حتى شهرا كما وقع خلال أحداث يناير 1984… ثم يطلق سراحه بدون تهمة ولا تقديم أمام المحكمة… وتعاد الكرة مرة ثم أخرى بدون اعتبار لا لحالته الصحية ولا لأسرته الصغيرة ولعائلته التي تجتر قلقها وألمها في صمت… وفي تلك الأيام لم تكن هناك جمعيات لحقوق الإنسان ولا إعلام يهتم بمثل هذه الحالات… ذات مرة اعتقل أحمد من داخل حافلة أثناء سفره وكان أخي الصغير (10 سنوات وقتها) بصحبته ولم يعبأ رجال الدرك للأمر، لحسن الحظ أن أحد أصهارنا كان على متن نفس الحافلة لينقذ الصبي الصغير من المجهول …
واجه أحمد كل هذا في صمت وبصبر وجلد واستمر في بناء حياته الأسرية بين اعتقال وآخر وفي القيام بواجبه المهني كرجل تعليم وفي متابعة حلمه الدراسي والفكري…
عليك واسع الرحمة أخي أحمد وقد ذهبت على حين غرة تاركا جرحا من الصعب أن يندمل…