يوسف خليل السباعي
لم تكن ورشة نجارة عبد السلام المصباحي تبعد عن بيتنا بحي التوتة الذي تبدل من حي صغير إلى كبير، فلم يكن هذا الحي يحوي مساكن كثيرة كما هو الحال اليوم. وبجوار ورشة عبد السلام المصباحي كانت توجد صيدلية” المحبة” لهند الرحماني، وفي الجهة المقابلة، دكان عبد الكريم المرزوقي الذي ورث عن أبيه محمد عمارة ” المرزوقي”، والدكان.
وحسب الرواة الذين يلتقطون الأخبار الصحيحة والمزيفة من كل الجهات، والسماوات، وبواطن الأرض والأفواه، فإنهم ذكروا أن الأب المرزوقي مات بسسب رعونة سائق تاكسي كبير كان يسوق بسرعة مفرطة في شارع المسيرة، إذ دهسه تاركا الأب… غارقا في دمه، وهرب.
وكان جميع سكان حي التوتة يعرفون أن الأب جمع ثروته من ورشة النجارة التي كانت في البداية في ملكه، إلا أنه باعها لأب عبد السلام المصباحي بعد أن وقعت له الحادثة المشؤومة التي تناقل أخبارها الرواة، وجابو بها الآفاق.
قال الراوي الأول:” عند ما نزل محمد المرزوقي بحي التوتة في الثمانينيات قادما من جبال الريف، كان لا يعرف ما يصنع، ليس له أحد يعرفه. جلس في طرف شارع ضيق وهو يتضور جوعا، في ذلك الوقت كان عبد الرحمان التونسي قد خرج توا من مسجد الحي بعد أدائه صلاة الظهر، فأبصره، ثم سأله عن أحواله، ومن أي مدينة جاء… إلا أن محمد المرزوقي لم يكن كثير الكلام، فروى له كل قصته في دقائق معدودة، لم يكن من أمر عبد الرحمان التونسي إلا أن أدخله بيته وطلب من زوجته خدوج إعداد الطعام لضيف الله. أكل الضيف حتى شبع، وشكر الله وصاحب الطعام، وظل صامتا. فطلب منه أن يبيت عنده الليلة، وفي الصباح يرى ما يفعل في شأنه”.
قال الراوي الثاني:” في الصباح، مباشرة بعد الإفطار الذي أنزلته تسابيح التونسي على المائدة والتي أعدته بشهوتها، تبادلا النظر، فوقع الضيف في حبها من نظرتها الساحرة، ولم يكن إلا أن بارك عبد الرحمان التونسي هذا الحب الذي حصل من نظرة أولى، فزوجه لإبنته، وأدخله للعمل في ورشة نجارته”.
قال الراوي الثالث:” مات عبد الرحمان التونسي بعد أن أصيب بمرض خبيث، وحالما طلعت روحه إلى بارئها، استحوذ محمد المرزوقي على ورشة النجارة، وأصبحت ملكا له بعد أن تلاعب بوثائق الإرث، حيث لم تكن تسابيح التونسي تهتم بهذه الأمور، ولاتحرك لفظا ولاتبحث في الأمر، وبقيادته الورشة أصبح له زبائن ومعاملات ورصيد بنكي هام، وأصبح معروفا بثرائه في حي التوتة”.
وفي صباح من الأصباح، وهذا مالم يتحدث عنه الرواة، جاء اليهودي إسحاق الكوهن وكان يملك معملا للآجر إلى ورشة نجارة محمد المرزوقي يطلب منه الإسراع في تجهيز طلبيته التي كانت عبارة عن مائدة مستطيلة لمكتبه بالمعمل، طلب منه محمد المرزوقي أن يصبر عليه شهرا، نظرا للطلبيات التي كانت تهبط عليه كالشلال، إلا أن اليهودي إسحاق الكوهن انزعج، وهدده:
– ” لن أصبر، عليك بالإسراع في العمل على الفور، غدا تكون الطلبية جاهزة”.
راح محمد المرزوقي يملأه الغضب إلى آلة النشارة، وبلاانتباه، وهو يشرع في تقطيع مادة الخشب، وسط هدير الآلة، بترت أصابعه الخمسة. ومنذ ذلك الوقت، وهو يتذكر مافعله به اليهودي، الذي أصبح كل من يفتح سيرته أو يذكره به، يجعله يقول:” ذاك… المنشار!”.
^ اللوحة مأخوذة عن صفحة ” عبد الفتاح كيليطو” بال” فيسبوك”.