يوسف خليل السباعي
هل السارد هو الذي يحكي في رواية “الجنيس” لعبد الحميد البجوقي أم الكاتب؟
إن الكاتب ليس هو السارد. إن الكاتب يخلق السارد، ثم يختفي كالظل. وهكذا يأخذ السارد مكانه ويشرع في الحكي. إن رواية “الجنيس” لاتحكي عن “الهجرة” أو تستثمر “بلاغة المنفى” كما كتب يوسف الريحاني في قراءته الجميلة لهذه الرواية، وإنما هي رواية عن الحياة والمصير.
إن هذه الرواية، ليست محاكاة للواقع، وإنما تحوير للحدث الروائي، حيث يغدو الحدث الواقعي محولا، ومحورا، والشخوص تائهة، وضائعة في عالم مبني على فكرة التبديل والمسافة والخطأ.
إن الأمر لايتعلق بتسميات ولا بتصنيفات ولا بفوارق بين ال”هنا” وال”هناك”. حيث يغدو الإئتلاف والاختلاف بين المهاجر وصاحب الدار- الفضاء مكثفا.
إن الشخوص كثيرة ومتوهجة في الرواية (أنظر ” الجنيس”)، بل إنها قد تظهر متجانسة برغم الاختلاف فيما بينها، لكن ما يوحد بينها ليس الدفاع عن قضية الاندماج، وإنما في أن تفرض وجودها في العالم. إن عبد الحميد البجوقي لم يكتب هذه الرواية من فراغ، بل اختار أن يكون ظلا، منح السارد دورا، واختفى، بل تحول هو الآخر إلى قارئ للرواية. لقد انتقل الكاتب إلى مرتبة القراء، وجعلنا بمثابة متفرجين على أفعال وأحاسيس هذه المخلوقات الورقية في هذه الرواية.
إن من يحكي هو السارد، وليس هو عبد الحميد البجوقي الكاتب.