تقرير: 95 بالمئة من المغاربة لا يثقون في الأحزاب السياسية

كشف استطلاع أنجزه المركز المغربي للمواطنة، عن أزمة ثقة غير مسبوقة بين المغاربة والأحزاب السياسية، لتترسخ صورة قاتمة حول الحياة الحزبية ومؤسسات الوساطة بوجه عام. فالأرقام صادمة: 95 في المئة من المستجوبين، لا يثقون في الأحزاب، وأكثر من 91 في المئة لا ينتمون لأي تنظيم سياسي، فيما لا يفكر أغلبهم مطلقاً في الانخراط مستقبلاً، رغم أن سبعين في المئة منهم سبق لهم أن شاركوا في الاستحقاقات الانتخابية. مفارقة تكشف أن المواطن يؤدي واجبه الانتخابي باعتباره انتماء وطنياً، لكنه في المقابل يفتقد أي إيمان بجدوى الفاعلين الحزبيين وقدرتهم على تمثيله.

الأمر لا يقتصر على الأحزاب وحدها، بل يتعداها إلى بنية مؤسساتها وطريقة اشتغالها. فالتقرير يشير بوضوح إلى غياب الديمقراطية الداخلية والشفافية وقنوات التواصل. نحو 98 في المئة من المستجوبين، يرون أن الأحزاب لا تحاور المواطنين، وأن المرشحين لا يتم اختيارهم بناءً على الكفاءة، بل وفق القرب من القيادات. بالنسبة لـ64 في المئة، الثروة هي المعيار الأول للترقي داخل الأحزاب، يليها منطق العلاقات الشخصية والزبونية والولاء للزعيم، بينما تُهمّش الكفاءة والالتزام السياسي إلى مراتب ثانوية.

هذه الأزمة تبدو شاملة. البرلمان، باعتباره المؤسسة التشريعية الأولى، لا ينجو بدوره من نظرة سلبية، إذ يعتبر نحو 90 في المئة من المستجوبين أنه عاجز عن القيام بدوره. النقابات، الجمعيات، بل وحتى وسائل الإعلام، جميعها متهمة بالانفصال عن هموم الناس، ما يعكس شعوراً عاماً بأن مؤسسات الوساطة فقدت الصلة بمجتمعها الطبيعي. إنها أزمة ثقة عابرة للفضاءات والهيئات، تجعل من الانفصال بين المواطن ومؤسساته معضلة وطنية بكل المقاييس.

التقرير لا يكتفي بتشخيص الأزمة، بل يقترح مسارات للخروج منها: تعزيز الشفافية، تحديد عدد الولايات، مراجعة القوانين الانتخابية، فتح المجال أمام الشباب والنساء، وتوسيع الحضور الرقمي من أجل إعادة بناء الجسور مع المواطنين. لكن السؤال الأهم يظل معلقاً: هل تمتلك الأحزاب القدرة ـ أو حتى الإرادة ـ على إعادة اختراع ذاتها؟ فكما يشدد التقرير، مستقبل الحياة السياسية في المغرب رهين بقدرتنا الجماعية على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة لإصلاح عميق يرد الاعتبار للسياسة ويمنح المواطن سبباً جديداً للثقة.

Loading...