من المؤكد زميلي العزيز أنه رغم اختلافنا الواضح معكم في الوقت الحالي في كيفية تدبيركم لوضعكم المهني الجديد كمحام حديث العهد بممارسة مهنة الدفاع ، فإن رصيدكم النضالي في مجال المطالبة باستقلال السلطة القضائية لا يمكن أن ينكره أحد , كما أن جرأتكم كقاض لا يمكن التغاضي عنها من خلال ما رسمتوه من توجهات قضائية جريئة و عادلة و ذات نفس حقوقي يكرس مبدأي الشرعية و المشروعية ، حينما كنتم تمارسون مهامكم كقاض لدى المحكمة الإدارية بالرباط .
و لعل هذا الأمر هو الذي جعل متابعتكم التأديبية و محنتكم التي عانيتم منها أثناء مسطرة عزلكم ، تجد تعاطفا واسعا من لدن أحرار هذا الوطن ، و في مقدمتهم المحامين الذي قاموا بمؤازرتكم و النيابة عنكم و التضامن معكم قلبا و قالبا من أجل حمايتكم و ضمان تطبيق جميع ضمانات المحاكمة التأديبية العادلة لفائدتكم .
و أنتم تعلمون أنني شخصيا تضامنت معكم بكل قوة و شجاعة في العديد من المواقف ، ليقيني حينئذ أنكم تمثلون إضافة إلى قضاة شرفاء آخرين أمل استقلال السلطة القضائية كما أطرها دستور المملكة ، سواء على المستوى المؤسساتي و الشخصي . و من الأكيد أنكم لا يمكنكم نسيان كيف نقلت ملفكم و قضيتكم ” التي كانت ممنوعة في الوسائل الإعلامية الرسمية الكبرى ” ، إلى الإعلام العمومي عبر شاشة القناة الثانية حينما تضامنت معكم في برنامج مباشرة معكم بشكل عرضني للكثير من الانتقادات طرف معدي البرنامج الذي كانوا يرفضون تناول قضيتكم لكونها كانت شبه محظورة ، لكنني رغم الحظر اعتبرت في البرنامج الذي كان يتناول مشروع قانون الصحافة على أن موضوع الحلقة , الذي هو حرية الرأي و التعبير , لا يمكن تناوله من دون التذكير و التضامن مع قاضي نزيه و شجاع يتابع فقط لأنه أدلى و عبر عن أراء و مواقف جريئة غير معهودة لدى قضاة المملكة . كما لا يمكنكم نسيان عدد من المقالات التي عبرت فيها عن تضامني المطبق معكم كمقال ” القضاة وواجب التحفظ ” الذي اعتبرت فيه أن ما صدر عنكم ليس مخالفة لواجب التحفظ الذي يلزم القاضي و لكنه يدخل في إطار حرية الرأي و التعبير الذي يعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان ، و القضاة ليسوا بمنأى عن التمتع بهذا الحق لاسيما بعدما رسخ الدستور الجديد الحريات العامة بالنسبة للقضاة و لا سيما حرية تأسيس الجمعيات الذي يعتبر من أهم أعمالها هو التعبير عن مواقف حرة في إطار فردي أو جماعي . بل لقد كنت أول المرحبين بكم حينما تم قبول طلبكم لدى هيئة المحامين بتطوان و كتبت مقالا بعنوان ” مرحبا بالمحامي الهيني ” كدلالة على الغبطة التي انتابتني و انتابت الكثير من الزملاء ، لولوج شخص مناضل ذو حمولة حقوقية مجال مهنة الدفاع التي تحتاج إلى مدافعين أشاوش عن الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية للمواطنين .
لكن للأسف زميلي لم تمر إلا أيام معدودات على ارتدائكم رسميا بذلة المحاماة ، إلا و قد تحولتم فعلا بقدرة قادر إلى ” أشهر ” محام في المغرب ، ليس لأنكم الأكثر ضبطا للمبادئ و المساطر القانونية , و ليس لسوابقكم الجليلة في المؤازرة في عشرات أو مئات الملفات ، و لكن للأسف لأنكم أصبحت لكم خرجات عبثية مرضية دائمة و متكررة ، أقل ما يمكن أن يقال عليها شطحات إعلامية ، غدت مادة خصبة و دسمة لبعض المواقع الصفراء من أجل إحداث الفتنة داخل الجسم المهني ، و تكريس صورة نمطية سلبية عن مهنة الدفاع ، و تبخيس دور المحامي ، و جعله مادة خصبة للاستهلاك الإعلامي بشكل تهريجي يشبه مسلسلات ” و سيتكومات ” رمضان ، فلا تكاد تمر جلسة من جلسات ملف توفيق بوعشرين إلا وأصبحنا على موعد مع مواقفكم و خرجاتكم غير اللطيفة و التي تثير الاشمئزاز ، و تقرأ السلام على مهنة النبلاء ، لما تتضمنه من قدح و إتهام في حق زملائكم الذين يفترض أنهم زملاء و ليس خصوم ، و للأسف لا يكاد يمر يوم دون أن يتحول عشرات بل مئات المحامين من مساندتكم و التعاطف معكم إلى مستنكرين لكم و لطريقة تدبيركم أيامكم الأولى في مهنة المحاماة ، حتى أصبح لدى الغالبية العظمى إعتقاد راسخ أنكم مجرد منفذ لأجندات خاصة و ضيقة تحاول الوصول إلى أهداف معينة أهمها إضعاف الجسم المهني و بت الفرقة بين رجاله و نسائه ، و التقليل من شخص المحامي ودوره و موقعه في مجال العدالة و في المجتمع .
و على الرغم من أن خرجاتكم أصبحت لا تطاق لما تتضمنه من مخالفات مهنية بالجملة ، و لمساسها العميق بأعراف و تقاليد مهنة الدفاع ، فإنه أمام صمت المؤسسات و لا سيما هيئة المحامين بتطوان التي تتصرف بنوع من اللامبالاة معكم و كأنكم لستم محاميا ضمن هيئتها و كان أولى بها أن تستدعيك و تقومك و تعلمك أعراف المهنة و تقاليدها ، و أيضا أمام الموقف غير السليم لبعض الزملاء الذي يستنكرون أفعالكم و مواقفكم بطريقة غير لائقة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إطلاق تسميات قدحية عليكم و جعلكم موضوع دعابتهم و فكاهتهم التي تخفي الكثير من الغضب و الإستنكار ، وربما هم معذورين لأن المؤسسات التي يعول عليها للتدخل بحزم ، لم تتحرك لإيقاف هذا النزيف و الشرخ الذي أحدثتموه في المهنة في هذه الأيام الأخيرة . فإنني ارتأيت زميلي العزيز أن أكون إيجابيا ، و أن أكون دائما في صفكم و ليس ضدكم . و لذلك فلتسمح لي أن أوجه إليكم عشر وصايا بمثابة نصائح أنصح بها نفسي أولا، من زميل يحترم تاريخكم و يتحسر على حاضركم ، و هي كالآتي :
أولا : إذا كان واجب التحفظ خط أحمر في مجال القضاء لطبيعة المهمة القضائية ، و تراقبه بصرامة وزارة العدل سابقا و المجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا ، فان هذا المبدأ لا يقل أهمية في مجال المحاماة ، التي لها أعراف و تقاليد لا تقبل التجاوز أو الانتهاك و بالتالي فمخالفتها تعتبر مخالفة للقانون و لواجب التحفظ ، و تستوجب المساءلة التأديبية . و أنتم صديقي لا يمكن لكم طيلة مساركم الوظيفي كقاض و المهني كمحام أن تبقوا رهيني المتابعات التأديبية ، لان في الحياة المهنية و الوظيفية أشياء أنبل و أروع من مواقف ” نضالية ” سطحية فلكلورية قد تؤدي إلى متابعات تأديبية .
ثانيا : أن المحاماة لها أعراف و تقاليد راكمتها منذ عدة قرون , منذ ظهور المهنة لأول مرة في التاريخ و هي كما تعلمون من أقدم المهن ، و قوة هذه المهنة و ما يميزها عن غيرها هو تشبتها و إحترامها لهذه الأعراف و التقاليد . لذلك حتى لو كنتم في غير حاجة للقيام بفترة تمرين لأنكم معفون منها بقوة القانون , ولو أن هذا النص معيب وواجب التغيير و التعديل ، فإنني ادعوكم إلى الاطلاع على الكثير من الكتب و المقالات التي تتحدث عن الأعراف و التقاليد حتى تعرفون الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها ، و حتى تحترموا زملائكم و تكون خرجاتكم محسوبة سواء دخل قاعة المحكمة أو خارجها .
ثالثا : أن المحامي يجب أن لا يكون حقودا حتى لو ظلم ، وأن لا يبقى حقده موجها له في جميع تصرفاته , لذلك فإنه حتى لو تم عزلكم إبان حكومة بنكيران من طرف وزير العدل السابق مصطفى الرميد الذي أصبح يحترمه الكثير من المحامين فقط لأنه عزلك ، فإنه يجب أن لا يبقى الحقد على هذا الحزب و على المنتمين إليه موجها لسلوككم المهني ، و لعل عبد الصمد الإدريسي و عبد العالي حامي الدين لخير دليل على ذلك . كما أن حقدكم الواضح على توفيق بوعشرين ما هو إلا بسبب أن خطه التحريري كان مساندا لحزب العدالة و التنمية .
رابعا : أن حب الظهور و مبدأ خالف تعرف ، لا يمكن أن يخلق منكم محاميا كبيرا ، لأن هذا الأمر إذا تفاعلت معه بعض الطبقات البسيطة من الشعب التي لا تعرف أسس و قواعد الممارسة المهنية . فانه لا تأثير له على الزملاء في المهنة ولا على الطبقة المثقفة و الواعية التي تنبذ الخطاب الشعبوي . بل إن موقفكم من ” المقاطعة ” و تعارضكم مع توجه و إرادة الشعب ، سواء كان ذلك عن قناعة أم لتحقيق مصالح ضيقة . سينقص من تاريخكم النضالي و سيجعلكم تدخلون في خانة أعداء الشعب و الوطن .
خامسا : أن التعامل مع الإعلام و الصحافة في كل صغيرة و كبيرة في الملفات المعروضة على القضاء ، هو نوع من التأثير على القضاء ، و فيه تهديد لإستقلال السلطة القضائية التي تبقى متأثرة بمواقف الصحافة , لأن هذه الأخيرة هي التي تؤثر على الرأي العام و تصنع مواقفه واختياراته ، و بالتالي تبقى أقوال الصحف المكتوبة والالكترونية مؤثرة في إستقلالية القرار القضائي ، و أنتم من خيرة من كنتم تدافعون على إستقلالية القضاء أفرادا ومؤسسات ، لذلك زميلي المحترم أرجو أن لا تتناقضوا مع أنفسكم و أبقوا مدافعين عن إستقلال القضاء سواء من تأثير الإعلام و غيره .
سادسا : يجب عليكم احترام زملائكم و مؤسساتكم المهنية، و عدم الاستهانة بها ، لأن الوضع إذا استفحل أكثر مما هو عليه فلا يمكن أن تتوقع ردة فعل الزملاء الذين أصبح الكثير منهم يدعو إلى استئصالكم و عزلكم مثلما عزلت من القضاء ، بل و هناك من دعا إلى مقاطعتكم و عدم التعامل معكم إلى أن تعودوا إلى طريق الهدى و تبتعدوا عن الظلال المهني , و هناك من دعا إلى توقيع عريضة تطلب نزع صفة محام عنكم . كما لا يجب الاستهانة بموقف المؤسسات التي تتريث و لا تريد التسرع باتخاذ أي قرار . لذلك أدعوكم زميلي إلى التشبت بمبادئ الاحترام و الوقار ، لا سيما أن جميع المحامين بالمغرب حتى المتمرنين هم قيادمتكم وواجب عليكم احترامهم و إحترامهن ، مادامت لم تمر عليك ببذلة الدفاع سوى أيام معدودات .
سابعا : ليس عيبا زميلي أن يعرض الانسان نفسه على طبيب نفسي من أجل معالجة ألامه و عقده و إستيهاماته النفسية ، لأن المعالجة النفسية لا تعني الجنون أو الحمق . و لذلك فالخضوع لحصص دورية ربما سيساهم في المعالجة النفسية و المعنوية للقضاء على الآثار النفسية السلبية لقرار العزل من القضاء و أيضا للمساهمة في التعامل الايجابي مع مهنة المحاماة التي تختلف عن القضاء في الكثير من الأشياء حتى قيل أن المحامي يولد محاميا .
ثامنا : من المبادئ التي يلتزم بها المحامي في بداية أدائه لمهامه سواء كمتمرن أو معفى من فترة تمرين ، هو أدائه لليمين القانونية التي تلزم المحامي باحترام السر المهني ، حفاظا على حقوق و مصالح و سمعة الأطراف المرتبطة بالملف ، و أن قيامكم بنشر مذكرة عبر وسائل الإعلام أسميتها خطأ مذكرة جوابية من أجل الرد على دفوعات أثيرت أثناء مناقشة ملف ، هو عبث و مخالفة صريحة ليمين المهنة الذي ألزمكم بصفتكم أصبحتم محاميا بعدم إفشاء السر المهني تحت أي ظرف من الظروف .
تاسعا : أنكم يجب أن تقتنعوا أن التواضع و الاحترام أساس مهنة الدفاع ، فاحترام الزملاء حتى لو كنا مختلفين معهم يبقى ضروريا , لأن انتمائنا لبذلة واحدة يجعلنا أسرة واحدة و يعطينا قوتنا الحقوقية و الرمزية ، و بالتالي فالتطاول على الزملاء و النقباء و تبخيس أعمالهم و مجهوداهم و إتهامهم بعدم العلم بالقانون بعد انتهاء الجلسات ، و كأنك معلمهم ، فيه الكثير من عدم الاحترام و عدم التواضع ، لان هؤلاء المحامين منهم من رافع في مئات القضايا و اكتسب تجربة قانونية وواقعية كبيرة و غنية في فن المرافعة ، و ليس مثلك زميلي ترافع ( بل إن المرافعة لم يحن وقتها بعد لأن الملف لازال في المناقشة ) في أول ملف لك في مسارك المهني .
عاشرا : و أخيرا يجب أن تقتنع أنك لم تعد قاض ، و أن دور الدفاع يختلف عن دور القضاء ، و لذلك فتقمصك لدور النيابة العامة في ملف بوعشرين رغم أنك تنوب فقط عن المطالبات بالحق المدني ، يثير تساؤلات حول موقعك في المسطرة ، و مدى وعيك بموقعك الإجرائي في الملف . وبالتالي فيجب عليك الإختيار بين أن تمارس مهنة الدفاع بقواعدها و بحسب ما تفرضه عليكم وضعية الطرف الذي تنوبون عنه أو تؤازروه في الملف ، أو أن تتركوا المهنة لرجالها و نسائها الذين خبروها و إستئنسوا بها و يعرفون كيف يدبرون أوضاعهم الحقوقية و الإجرائية وفق ما تقتضيه حقوق و مصالح موكليهم و مؤازريهم .