بقلم-محمد الخشين
في كل تحليل كلاسيكي لوسائل التواصل تطرح الأسئلة المستلهمة من صيغة شهيرة لهارولد لاسويل[1] الآتية:من المرسل؟ماذا يقول؟لمن؟بأية طريقة؟وبأي تأثير؟فلكي نفهم جيدا الكيفية التي يشتغل بواسطتها نمط التواصل الذي يؤسسه الكاريكاتير،يمكن الاستناد إلى مثل هذا الملفوظ.
في لحظة أولى يتعين تحليل ماذا يقول الكاريكاتير باعتباره رسالة مرسومة.و بالفعل فإن الكاريكاتير رسالة تنقلها وسائل الإعلام، لكنها تختلف عن المقالات الصحفية مثلا في طابعه المختصر.فهل هذه الخاصية عائق أم على العكس فهي تسمح بإنشاء علاقة خاصة بين الواقعي والرمزي؟وفضلا عن ذلك ،إذا كانت الوظيفة العامة لمعظم رسامي الكاريكاتير هي إثارة الضحك،فهذا لا يمنع من وجود دور آخر خاص بكل رسام على حدة يختفي وراء مظهر الإلهاء هذا.فما هي الوظائف التي يسندها رسامو الكاريكاتير لرسومهم؟[2]
هذا السؤال حول النتائج المرجوة من طرف المرسل يلتحق بمسألة النتائج الواقعية،وهي ترتبط إذن بقضية التلقي.فمن هو متلقي الكاريكاتير؟هل يمكن لأي كان امتلاك القدرة على تلقي الرسالة التي يشكلها رسم كاريكاتيري ما؟ما هي التأثيرات الممكنة التي يمارسها الكاريكاتير على الجمهور؟وهل للكاريكاتير والسخرية دور في المجتمع؟
وأخيرا،فالكاريكاتير رسالة إعلامية،وما دام كذلك،فلا يمكن التساؤل حول هذا النمط من التواصل في المجتمع دون معالجة مسألة الديمقراطية.فهل الكاريكاتير عنصر أساسي للديمقراطية أم تهديد لها؟ذلك أن الحريات التي يعطيها لنفسه تبدو نتاج لدمقرطة الفضاء العمومي،لكن قد يحدث في الوقت نفسه أن يضر الكاريكاتير بالديمقراطية عبر تشويه النقاش العمومي،فما هي حقيقته؟[3]
يقدم الكاريكاتير نفسه في شكل مرسوم(وهو قابل لأن ينهج طريق السمعي البصري)،وما ينتج عن هذه المسلمة مباشرة هو الاختصار الذي بواسطته ينقل رسالة محددة.فهو تمثيل لماهية وضعية ما ،ويتطلع إلى تحويل الواقعي إلى رسم تخطيطي.وهكذا،لا يكفي أن يمتلك رسامو الكاريكاتير “الضربة الجيدة لقلم الرصاص”،بل يحتاجون أيضا إلى امتلاك روح الدعابة والعدوانية،أو بالأحرى هذه العدوانية في الدعابة التي تمنحهم الوعي الحاد بالمؤسسات والأوضاع اليومية.[4]
إن الكاريكاتير اختصار للأخبار،فهو يتفاعل معها بوصفه عنصرا كاشفا للاجتماعي مادام يهدف إلى تمثيل ما يجب تذكره من أخبار المجتمع،في ارتباط بالحالة الذهنية للرسام الذي ينجزه.فوظيفة الرسام تقترب من تلك التي يؤديها عالم النفس بحكم أنه يستخلص سمات تخص شخصية ما،أو طبقة اجتماعية معينة،أو دورا محددا.[5]
إذا كان رسام الكاريكاتير يسعى إلى استخلاص ماهية وضعية ما أو سمة لشخصية فرد معين فذلك لتضخيمها بطريقة مستفزة تثير على الأقل ضحك القارئ.وبالفعل،فقد جاءت كلمة كاريكاتير من لفظ” كاريكاتورا “اللاتيني الذي يعني فعل الشحن والمبالغة،ودخلت الكلمة إلى الفرنسية في سنة 1665 للإشارة إلى الأعمال الفنية الإيطالية التي تتبنى هذا التوجه.ويعرف قاموس لاروس الكاريكاتير كتشويه بشع لشخص ما بمبالغة إرادية قصدية ساخرة،وللسمات المميزة للوجه أو أبعاد الجسد .
وبفضل عملية الشحن هذه، يعتبر الكاريكاتير تمثيلا للأشياء على نحو ما يجعله مثيرا للضحك.لكن،في الغالب،إذا كانت هذه الوظيفة الأساسية موجودة في الكاريكاتير،فهناك وظيفة أخرى تضاف إليها.فما تحت الرسالة الواصفة،تختفي في معظم الأحيان رسالة كامنة يمكن أن تستهدف مختلف تفاعلات المتلقي.كما أن هذا الأخير يحس بابتهاج فكري من جراء التقاط الرسالة الكامنة المختفية وراء الرسالة الواصفة.[6]
الكاريكاتير رسالة بصرية هزلية،فبدون الدعابة لا يعتبر الكاريكاتير سوى رسما،لكن لا يتعلق الأمر هنا بأية دعابة كيفما كانت،بل دعابة بارعة ،لاذعة،أنيقة ولامعة في آن واحد.
و يكمن الهزلي تارة في الرسم وتارة أخرى في الحكاية وفي بعض الأحيان فيهما معا.
يرجع الهزلي إلى مصدرين رئيسين:أولا، يستخدم رسام الكاريكاتير الفائض الجسدي للشخوص أو الأشياء التي اختار رسمها.و يمكن تسمية هذا ب”هزل التمثيل”، وهو يتمحور في الغالب حول شخوص معينين، ويخلق أثرا يتجلى في تجريد القدسية، وهذا التأثير يتأكد عندما يتمتع الأشخاص المتمثلون بوضع اجتماعي يفرض نوعا من الاحترام.
المصدر الثاني للهزلي يكمن في استعمال تشوهات المعنى المرسوم،فهي تظهر في صورة “ألعاب الخطوط”الشبيهة بلعبة الكلمات،إذ تحدث انفصالا في المعنى،أي تباينات تستند إلى نسق سردي محسوب بكيفية خاصة لإثارة الضحك[7].وهو ما يمكن تسميته ب”هزل الوضعية”، ويدور حول الهفوة أكثر مما يرتبط بحركة قلم الرصاص.
في معظم الأحيان، يجمع رسامو الكاريكاتير بين العمليتين الهزليتين اللتين تثبتان تكامل كل واحدة منهما مع الأخرى.فلكي يصنف رسم ما ضمن الكاريكاتير يجب أن يشبه الواقع لكي يكون مفهوما،وأن ينفصل عنه لكي يتضمن الدعابة[8].
على سبيل المثال: الرسم الكاريكاتيري لشخص السيد عبد الإله بنكيران،رئيس الحكومة المغربية الأسبق وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية،من توقيع الفنان الخو الذي أزاح الهالة المصطنعة التي تضفى على هذه الشخصية السياسية وطابع الوقار المفترض فيها بوصفها تمثل دورا قياديا في حزب إسلاموي كان بداياته راديكاليا،بتضخيم الوجه وإبراز نابين يجعلان صاحبهما يبدو في هيئة دراكولا مصاص الدماء وهو اللقب الذي استعمل للإشارة إلى الأمير فلاد تيبيس(1431-1476)،وهو كونت فلاشيا الشهير بالمخوزق لتعذيبه لضحاياه بخوزقتهم في عمود خشبي وتركهم يموتون من الجوع.أو على الأقل كذئب مفترس.والسياق السياسي الذي جاء فيه هذا الرسم يحيل إلى هفوة رئيس الحكومة “المتقاعد”عندما قال بأن المغاربة لا يحتاجون إلا إلى الصدق.كما يمكن الاستدلال على الخاصية المزدوجة للعملية الهزلية المذكورة سلفا من خلال رسم الكاريكاتير المنجز من قبل نفس الفنان لشخصية أخنوش وزير الفلاحة المغربي المثير للضحك بفائض أنفه،والحامل لخرطوم الغاز بيد اليمنى،في إحالة على حكاية زلته عندما صرح بضرورة تربية المغاربة،والحقيقة هي أنه يريد إخراس أصواتهم.
إن جل من تناول مفهوم الدعابة،أكان لسانيا أم فيلسوفا،أديبا،عالم اجتماع أو عالما نفسيا،واجه إشكال تعريفه.البعض أعلن عن هزيمته منذ البداية مثل لوي كازاميان الذي بلغ الأمر معه إلى حد كتابة مقال بعنوان “لماذا لا نستطيع تعريف الدعابة”[9] وفي كتابه “الضحك في الضباب”،وهو عنوان دال جدا في هذا السياق،اعتبر موريس دوكوبرا بأن الدعابة تعمم القلق لدى كل يجرؤ على مقاربتها.من هنا يمكن اعتبارها “حقلا ملغوما”.[10]ولم يقم دينيس جاردون سوى بخطوة واحدة عندما قال:”الدعابة حقل خطير،وهذا هو السبب ربما في أن بعض الباحثين يعلنون بسرعة عن عدم إعطائها تعريفا ما،وينتهون إلى خلط الكل بنوع من التهكم عندما يشيرون بأنها:حساء تغلي فيه جميع مكونات الهزل،وطعمه هو كل شيء ولاشيء في آن.فهي حساء من نوع خاص،له وصفته الخاصة،غير أنها وصفة صعبة المنال.[11]
لكن،إذا جاز لنا أن نعرف الهزل بتعريف ما، يمكن القول على شاكلة عبارة روبير إسكاربي بوصفه:”القدرة على رؤية الأشياء بشكل مختلف عما تفرضه الجماعة، وإدماج هذه الرؤية في نسق فكري عقلاني دون أن يكون جامدا،لأن الإنسان الهزلي يجب أن يملك رؤية غريبة… في تفكيره الشخصي.فالموقف الهزلي جنون مراقب”[12].
[1] Lasswell.Harold
[2] Thivillon.Séverine.La caricature dans les médias .Institut d’ Etudes politique de Lyon 2 ;Section Poco. Septembre.2003 .pp19-20.
[3] Ibid. Pp20.
[4] Ibid. Pp20-21
[5] Ibid. PP21
[6] Ibid. Pp21.
[7] Ibid. Pp21-22
[8] Ibid. Pp22
[9] Casamian.Louis. « Pourquoi nous ne pouvons définir l’humour » Revue Germanique. 1906
[10] Dekobra. Maurice.Cité in L’HUMOUR DANS LES INTERACTIONS CONVERSATIONNELLES : JEUX ET ENJEUX . Béatrice PRIEGO-VALVERDE. UNIVERSITE AIX-MARSEILLE I – Université de Provence. 1999.pp9
[11] Ibid. PP10
[12] Thivillon.Séverine.La caricature dans les médias .PP22