قصة قصيرة “علياء”
من تأليف الكاتب والصحفي: يوسف خليل السباعي.
جاءت علياء إلى الدنيا بعد وجع.
رافقها هذا الوجع كل الحياة.
“حبلها عليوة”، قالت نسوة المصنع.
كان عليوة قد تعرف على خديجة في مصنع للنسيج. كان يشرف على الخياطات، فأحبته، وكانا يلتقيا بعد اكتمال العمل في بيت عليوة.
يجمعهما الأكل، والشراب، والرقص، والسرير.
وفي يوم شمسي، بعد إدراكها أنها حبلى، جاءت عند عليوة. كان يشرف على الخياطات، وبفم ملآن، قالت له ” تزوجني”، فرفض.
لم يهتم عليوة بحكايتها، وقال لها بحنق: ” ابتعدي عني، أنا لا أعرفك”.
متوجعة، خرجت. بكت عوض الدموع دما، وبقيت على ذلك الحال لثمانية أشهر حتى رزقها الله بطفلة حسناء كالهلال- سمتها علياء- فافتر ثغرها عن ابتسامة ساحرة بازغة، لكن قلبها كان متوجعا كما لو أن نارا تتأجج فيه.
كبرت علياء.
لم تكن كباقي الفتيات. عاشت وحيدة، لا تعرف إلا حضن أمها خديجة. وفي كل مرة تسـأل عن أبيها، لا تجيبها خديجة. كانت تقول لها: ” لا أحب أن أتكلم في الموضوع، ذاك أثر الماضي، وانتهى”، وعندما كان يستبد بها الغضب، بعد إلحاح علياء على معرفة “الحقيقة”، كانت خديجة تقول لها: “لا أب لك، يابنت الكلب”.
ذات صباح، جاءت نسوة المصنع إلى بيت خديجة. أقفلت خديجة الباب. همسن في أذنها، ثم خرجن.
مات عليوة.
قالت النسوة: ” كان سكرانا. خرج بالليل من الحانة. اعترض سبيله لصان سرقا ما في جيوبه من نقود. طعنه أحدهما بمدية، فصعدت روحه إلى السماء”.
أنست خديجة.
لم يعد لها الآن ما تخفيه. لقد رحل عليوة كغمامة.
وفي ليلة قمرية، حكت لعلياء القصة كاملة، ونامت متهللة.
في الصباح كانت علياء تلعب لعبة الحجلة مع فتيات في سنها أمام باب البيت.
- Facebook Comments
- تعليقات