بقلم؛ عبد الجليل الوزاني التهامي -تطوان 2020/4/21.
إلى روح محسن أخريف في ذكرى رحيله الأولى
هل بالفعل قد رحلت يا صديقي؟
هل بالفعل كنت قد استشعرت أن أيامك معدودةٌ عندما قلت مجيبا عن سؤال إحدى الصديقات ونحن ننهي اجتماع تجديد مكتب “الرابطة أدباء الشمال” قبل أيام من سفرك الأبدي:
ـ ما مشروعك القادم يا محسن؟
فقلت بدون تفكير:
ـ لم تبق إلّا الأعمال الكاملة!!
فردتْ عليك:
ـ بسم الله عليك أبني، باقي بكري عليك!!
هل كنت قد أحسست أن ما بقي لك في هذه الدينا سوى بضعة أيام عندما كنت مصرا أن أقرأ كلمة الرابطة يوم افتتاح عيد الكتاب المشؤوم؟
نعم كنت مصرا بشكل غريب أن أنوب عنك وأنت حاضرٌ بيننا، ولا يوجد سبب معقولٌ للتملص من تقديم الكلمة التي لم تتنازل عنها لسواك طوال سبع سنوات، سواء بصفتك رئيس فرع اتحاد كتاب المغرب، أو بصفتك رئيسا “لرابطة أدباء الشمال” التي فرضتَها كشيرك في تنظيم عيد الكتاب بعدما صار الاتحاد خارج السياق! نعم، يا صديقي، ألقيتُ كلمتي وأنا أحس أنني أخذت شيئا ليس من حقي، كانت كلماتي مخنوقةً وأنا واقفٌ بالمنبر أقرأ.
أنت الوحيد من شعر باختناقي لحظتها!
كنتُ صباح يوم الكارثة أشعر بحزن غامضٍ مبهمٍ وانقباضٍ بفؤادي غير مفسرٍ، كانت الأمطار لحظتها تتساقط، أجل، الأمطار التي كنتَ تَخافُ أن تُفسدَ عليك عيدَك، وبالرغم من الإشراقة التي ازدانت بها سماءُ تطوانَ بعد الظهر، فإن ذلك الشيءَ الغامضَ ظل يعتصر فؤادي اعتصارا.
دخلنا معا فضاء العيد كنت هادئا على غير عادتك، قليل الكلام، أنت الصاخب المفعم بالحيوية!
أما أنا فقد كنتُ شاردا لحظتها عندما أيقظني صوتُ سقوطِك المدوي على البساط المشبع بالماء! حزنتُ لأجلك، تأسفتُ لا لأنني عَرِفتُ أنك قد صُعقت، بل السقوطُ في حد ذاته كان مؤلما ومؤسفا، نعم، يا صديقي، تألمت لسقوطك المهينِ أمام الملأ وأنت عريسُ العيد الثقافي بدون منازع، فبالأحرى أن تكون سقطتُكَ مميتةً كما أدركت وأنا ذاهلٌ!
هل كان من الضروري أن ترحل بتلك الطريق القاسية المحزنة؟
هل كان من الضروري أن تقدمَ حياتَك قُربانا للكِتاب الذي بات غريبا في زمننا هذا؛ ومهما أُقيمَت له من معارضَ وأعيادٍ؟
هل كان من الضروري أن تُغادرنا وأنت في أوج عطائك؟
من قال لك إننا بحاجةٍ لأعمالِك الكاملةِ وأنت في منتصفِ الطريق؟ في منتصفِ عمرٍ يعدُ بالكثير؟
هل كانت “ترانيم للرحيل” و”حصانان خاسران” و” ترويض الأحلام الجامحة” و”مفترق الوجود” هي كل ما كان في جعبتك أيها الشاعر الرقيق الحالم؟
وهل كانت “شراك الهوى” و”حلم غفوة” و”ليالي الأوراد” التي لم يُكتب لك أن تلمسَها بيدِك، هي كل نصيبك من عالم السرد روايةً وقصةً؟
لا!! وألف لا!!
انتهيتَ يا “محسن” حيث كان يجب أن تبدأ! نعم كنت تؤشرُ عن أديبٍ كبيرٍ بكلِّ للكلمة من معنى، كـنتَ في مستهل مرحلة النضج الفكري والنبوغ الأدبي، واكتمالِ شخصيةِ الأديبِ الفذِّ شعرا وقاصا وروائيا.
لم يكن إشعاعُك الإبداعيُّ ليقتصرَ على مدن الشمال ولا المغرب فحسب، بل سلجت حضورَك كمبدع بالمشرق العربي، بحيازتك على جوائز قيمة في الشعر والسرد.
كم كانت مؤلمةً كلماتُ والدِك المكلومِ وهو يردد أمام الملأ لحظة مأتمك:
ـ آه يا محسن يا ولدي!! كنتُ أظنُّ أنك في مأمنٍ من كل سوء وعبدُ الجليل موجودٌ بجانبك في تطوان؟
للأسف يا أبا “محسن”، عبد الجليل لم يكن ليمنع يد المنون وهي تخطف فلذة كبدك وهو محاطٌ بنا جميعا!
نعم يا صديق، تتسابق كلماتي، لكن لم أجد أفضل من الصمت لأرثيك!
ف”حلم الياسمين
هو أن يكون سقيفة بيت”
نعم يا صديق وكما قلت في ديوانك الأخير “مفترق الوجود” لقد كنت بالفعل سقيفة بيتنا جميعا، بيت المحبة والثقافة والأدب بتطوان والمغرب!
فعلى روحك السلام.