يوسف خليل السباعي: الصحراء والبحر!

يوسف خليل السباعي

عندما يمشي الإنسان في صحراء شاسعة، لايوجد فيها لاماء، ولاأي شيء سوى الشمس التي تحرق.
يمشي هذا الإنسان، الذي جاء من التراب، وإلى التراب يعود. السماء الزرقاء فوقه، وقلبه أزرق فارغ، يمشي وهو يتألم.

يتألم من الحروق في قدميه تلسعها نيران الرمال الحامية وكأنما يمشي فوق الزجاج الذي يدمي قدميه.
إن هذا الإنسان تائه في صحراء يتيمة، يستبد به الجوع، والعطش، ويتروى أحيانا السماء، ولكن ليس ثمة سوى الشمس.

الشمس فوقه ترسل خيوط شعاعها، ولهيبها، والرمال تحت قدميه، وهو يمشي ويتألم، ومن فرط الألم يتكلم، لانسمع ماينطق به، سوى همهمات. لا الصحراء لها نهاية، ولا السماء، والإنسان يبكي من تعرقه، ومن فرط عطشه يحاول الإرتواء من هذا التعرق، ولكنه يمشي.

وماذا لو صادف في طريقه ثعبانا، أو عقربا. فهو لايبالي، ويمشي في الصحراء الشاسعة، وهو يقاوم الجوع، ولايرتوي أبدا من تعرقه، فليس أمامه سوى المدى الصحراوي الشاسع.

وليس أمام هذا الإنسان، وهو يمشي في هذه الصحراء الشاسعة إلا أن يقاوم، ويمشي، ولاينكسر، برغم المحنة التي وضع فيها، يقاوم، وقد تمر من قدامه، في غفلة، غزالة، ويحس بالفرح برغم الشمس الملتهبة، والرمال الحامية، والنيران التي تشتعل في القلب، ولا صوت، هناك، غير صوت الريح، ومع ذلك يمشي، لايحلم إلا بالوصول، ولاجمل هناك ليركبه، ولاشيء، غير الفراغ، ولكنه يتذكر تاريخه، تاريخ الدم، ومع ذلك يتابع المشي، حالما أنه قد يصل يوما إلى البحر.

لقد نسي هذا الإنسان أن ليس هناك بين الصحراء والبحر إلا مسافة قريبة!

Loading...