أحلام من عتم الليل

يوسف خليل السباعي

* الفأس والشجرة

1- رأيت فيما يرى النائم شجرة على شكل امرأة، بلاقسمات، تحضنني بشدة.
وهكذا ظلت حاضنة لي لسنة برمتها، وفي ليلة غاب عنها القمر، جاء حطاب حاملا فأسه وشرع في تقطيعها بلارحمة، فنزلت منها دماء غزيرة.

2- رأيتني أمسك بيدي فأسا.
كانت يد الفأس مصنوعة من خشب الشجرة.
لم تتوقف الشجرة عن البكاء، فيما كان الفأس يواصل تقطيع خشبها.

3- رأيت فيما يرى النائم عربة صغيرة تحمل قطعا من خشب الشجرة.
اختفى الفأس، وبقي ظل الشجرة يتألم.

* البومة، الحرباء والنورس!

4- رأيت فيما يرى النائم أنني واقف على سور سطح عمارة عالية.
جاءت بومة ووقفت على عين سور السطح، وشرعت تنظر إلي بتمعن، فأشحت بوجهي عنها.
ولما استفقت أحسست برعب وغثيان.

5- رأيت فيما يرى النائم حرباء تصعد ببطء على حائط سرير غرفة نومي الشاسعة.

6- رأيتني وحيدا في شاطئ الرينكون. بغتة، حط فوق رأسي نورس.
نورس أعرج لايقدر على التحليق…
كانت أمواج البحر، هائجة، والقمر يشع وسط السماء…

* من يأكل لحم من؟

7- رأيت فيما رأى النائم أن بعض النسوة، بلاملامح، يأكلن لحمي نيئا، عاريا.
كنت، في غضون الحلم. عاريا، كما ولدتني أمي.
وبما أنني لم أرغب في معاشرتهن شرعن في أكل لحمي.
واحدة سمينة، والثانية داعرة، والثالثة خائنة.

8- رأيت فيما يرى النائم قطة صغيرة ميتة عند باب منزل امرأة، هي أيضا لا قسمات لها.
كانت تصرخ، فيخرج من فمها لعاب أبيض.
في غضون ذلك الصراخ، جاء شاب بلحية كثيفة ومسك القطة من رأسها، ثم ألقى بها بعيدا، بعد أن ابتسم بأعجوبة للمرأة التي كانت تصرخ، تلك التي لاقسمات لها.

9- رأيت فيما يرى النائم امرأة تغلف رأسها بحجاب أزرق تنظف باب محلها من قذارة ماء أسود.
بعد انتهائها من عملية التنظيف الجيد، سافرت إلى مدينة أجنبية، قاطعة مياه البحر عبر باخرة كبيرة.
كانت تفكر: ” قد يتعلق الأمر بعمل سحري”.
في تصورها، أن البحر سيحرق ذاك السحر المصنوع بفعل فاعل.
هذا مارواه سارد الحلم.

* البحر!

10- رأيت فيما يرى النائم امرأة حمقاء تركب لوحدها سفينة كببرة بلاربان.
كانت أمواج البحر عاتية إلى حد أنها غطت السفينة برمتها، وفي طرفة عين، لم يعد هناك أثر لا للسفينة، ولا للمرأة الحمقاء.

11- رأيت فيمايرى النائم رجلا قبيح الوجه، بتأمل البحر تاركا زوجته الحسناء في سيارة رمادية تظهر نهودها للعابرين.

12- رأيتني أنظر من شرفة البيت إلى البحر الثائر. أشعلت دخينة” مالرلبورو الأزرق”، وشرعت أفكر في كتابة رواية جديدة عن” الغيرة”.

* الكلب!

13- رأيتني أتأمل من نافذة المدرسة القروية كلبا ميتا.
جاء صاحب الكلب والتلاميذ، كان ينتابهم حزن غريب.
وفي البعيد، خلف شجرة صنوبر، كانت الأشباح تحمل بنادق خفيفة.

14- رأيت فيما يرى النائم قطة سمينة تتحول إلى أفعى. وتلدغ بأنيابها الحادة جسد الكلب الميت.

15- رأيتني، من بعيد، أتأمل كلبا بعين واحدة يلتقط صورا مع نساء مكتنزات، وينشرها، في قلب الليل، في صفحته على ال”فيسبوك”.

* أرشيفي!

16- رأيت فيما يرى النائم امرأة بملامح دميمة تمزق بعصاب أرشيفي برمته: جرائدي، مقالاتي، مطبوعات رواياتي وقصصي، ترجماتي، وترميها في الشارع.
وفي الظلمة، تأتي شاحنة كبيرة تقف عند باب المنزل، ينزل صاحبها ويحملها، برغم ثقلها، ثم يضعها في مؤخرة الشاحنة.
وعندما تتحرك الشاحنة يتحول أرشيفي إلى حجارة وزليج وزجاج.

17- رأيت فيما يرى النائم الكاتب الفرنسي رولان بارث، رفيقي الدائم، يدخن سيجارا كوبيا، وبشرب كأس ويسكي، ويلومني على أنني تركته وحيدا مع تلك المرأة، التي عذبته كثيرا، وفي غالب الأحيان، كانت تعتقله في حقيبة سوداء سمينة.

18- رأيتني أتجول في مقري جريدة العلم والشروق بالرباط. أبحث فبهما عن أرشيفي، الذي حرقته امرأة، بلاوعي.
ولماعدت، بسرعة البرق، مررت على مقر جريدة تمودة تطوان، كان باب المقر مغلقا، وأرشيفي محتجز بالداخل.
ثم، وفي طرفة عين، جاء نسر وطار بي إلى الأعالي، ثم رمى بي من فوق لأجد نفسي في ” جزيرة مولاي بوسلهام” وقدامي على الرمال عبد الجبار السحيمي، عبد الكريم غلاب، رولان بارث، ووجوه أخرى من غير قسمات.
في هذه اللحظة، سقطت من حافة السرير، لأجد نفسي على أرضية الغرفة المضاءة.

Loading...