يوسف خليل السباعي
إنها الممثلة التي تأسرك بشدة بالشخصية التي تؤديها سواء على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة. الجيل الجديد لايعرف الكثير عن ممثلات من هذا الحجم. كانت هدى سلطان، التي اشتهرت كثيرا، ليس بأدوارها القديمة وأغانيها الثرية فحسب، حيث جمعت هذه الممثلة القادرة والمقتدرة بين التمثيل والغناء، وهو أمر صعب للغاية، الغناء في كل طراوته، وحيويته وتحايلاته، والتمثيل في صلابته، وإغراءاته، وتلاوينه، ودراميته وحرفيته، بذكائها ونظرتها الملتهبة، ومن أجمل الأدوار التي أدتها في عالم المسلسلات التلفزيونية دور فاطمة تعلبة، لاأظن أن الجيل الجديد، ولو أن عملية التحقيب والتصنيف مقلقة بالنسبة لي، يعرفها جيدا، إلا أن هذا الجيل اليوم لايمتلك ذاكرة مثلما نمتلكها، وأعني جيلي، نحن الذين تعرفنا على ممثلين وممثلات من هذا الطراز الرفيع، والذين لايعوضون حقيقة، فما إن يرحل ممثل أو ممثلة من القدامى حتى يبق مكانه فارغا، وبصمته بارزة، وحتى إن نسي، قد يبق في الأرشيف، وأعني أعماله، إذ كل عمل بشري، فنيا أو غيره، مآله الأرشيف.
كل هذا الحديث لأصل إلى نقطة هامة، ويتعلق الأمر بأن حركيتي الصحفية باعتباري مراسلا صحفيا لجريدة ” العلم” من تطوان في ذلك الوقت كانت تتيح لي الالتقاء بممثلين وممثلات كانوا يشاركون في مهرجان تطوان السينمائي.
لأحدد أكثر: ملتقى تطوان السينمائي آنذاك، لأنه لم تكن هذه الفاعلية السينمائية قد تحولت إلى مهرجان بعد، وكانت الفرصة في التعرف والالتقاء، على سبيل المثال لا الحصر، بمخرجين سينمائيين معروفين كيوسف شاهين، وصلاح أبوسيف، وممثلين كنور الشريف ومحمود عبد العزيز، وممثلات كنادية لطفي وهدى سلطان، ونقاد سينمائيين كأمير العمري وغيره، وهكذا كنت محظوظا، في ذلك الوقت، بحضور ندوة صحفية نظمتها إدارة الملتقى السينمائي وسيرها الكاتب والناقد عبد اللطيف البازي.
وتكلمت هدى سلطان التي تم تكريمها في هذا الملتقى عن جزء من حياتها، وأفلامها، ومسلسلاتها، كما أجابت بكل طلاقة على أسئلة الصحفيين، وبما أنني أكتب عن ذاكرتي الصحفية، كمالو كنت أصدر أصواتا من جوف البئر، أو أحفر بسكين في دماغي، لا أحتفظ إلا بابتسامة هدى سلطان التي تخفي حياة حافلة بالعطاء الفني الكبير، الذي تلاشى كومضة. وماذا لولم تكن تلك الابتسامة السلطانية تقول لي:” إن كنت ناسي أفكرك!”.