«‬عيشوريات‮»‬‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬بالمرة‮!‬

عبد الحميد جماهري

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬المغاربة‭ ‬الأسوياء‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬طقوس‭ ‬عاشوراء‭ ‬تعليلا‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬تبريرا،‭ ‬لما‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬فوضى‭ ‬حاملة‭ ‬لرسائل‭ ‬لا‭ ‬تخطئها‭ ‬الفطنة‭ ‬الجماعية‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بالقول‭ ‬إن‭ ‬الاحتفالات‭ ‬تمادت‭ ‬عن‭ ‬حدها‭ ‬المقبول،‭ ‬وكفى‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬درجات‭ ‬الصخب‭ ‬تجاوزت‭ ‬عاداتها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭…‬

أبدا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التسليم‭ ‬بالطابع‭ ‬العادي‭ ‬لما‭ ‬حدث‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬وحارات‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬يعطيها‭ ‬المغاربة‭ ‬عادة‭ ‬سمة‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬الاحتفالية‭ ‬المرحة‭ ‬وبين‭ ‬التغني‭ ‬باستشهاد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬لحفيد‭ ‬رسول‭ ‬البشرية. ‬

وما‭ ‬حدث‭ ‬مؤشر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تسويغه‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بذكرى‭ ‬اغتيال‭ ‬خيرة‭ ‬شباب‭ ‬الجنة،‭ ‬كما‭ ‬يوصف‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭…‬ولا‭ ‬بالصيام‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬اقتطعه‭ ‬رسول‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬يهودي،‭ ‬يحتفل‭ ‬بعبور‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬للبحر‭ …‬

ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬ليلة،‭ ‬تخلد‭ ‬أصلا‭ ‬بطقوس “الشعالة‭”‬،‭ ‬وزيارة‭ ‬المقابر،‭ ‬وحلقات‭ ‬الغناء‭ ‬والأهازيج‭ ‬الشعبية‭ ‬بالأحياء‭ ‬السكنية‭ ‬والتجمعات،‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬حرب‭ ‬غير‭ ‬مقنعة‭ ‬باستعمال‭ ‬المفرقعات‭ ‬وما‭ ‬يشابهها‭ ‬ضد‭ ‬رجال‭ ‬الأمن؟

ما‭ ‬معنى‭ ‬تعطيل‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬بتنظيم‭ ‬الهجومات،‭ ‬ترافقها‭ ‬أصوات‭ ‬من‭ ‬صوروا‭ ‬الفيديوهات‭ ‬بالقول‭ ‬الصريح‭: ‬دابا‭ ‬غلبوا‭ ‬عليهم‮!‬

أي‭ ‬معنى‭ ‬يأخذه‭ ‬تعميم‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬عاشوراء‭ ‬غطاء،‭ ‬لسلوك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بتاتا‭ ‬القبول‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬ترميم‭ ‬العنف‭ ‬الواضح‭ ‬ضد‭ ‬رموز‭ ‬الدولة،‭ ‬بـ«بطانات‮» ‬طقوسية،‭ ‬وتساهل‭ ‬يشبه‭ ‬التبرير؟

ما معنى‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬رجال‭ ‬الأمن،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬الخسائر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتمادى‭ ‬الآخرون،‭ ‬الذين‭ ‬يستعملون‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمقدساتنا،‭ ‬لضرب‭ ‬مقدسات‭ ‬أخرى‭ ‬ترتبط‭ ‬بثوابت‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع؟
هستيريا‭ ‬عاشورائية،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الاستسهال،‭ ‬وأن‭ ‬نطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬يستوجبها‭ ‬الوضع‭…‬

‬إنها‭ ‬هستيريا‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة‭ ‬الرمزية‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬روح‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يحملون‭ ‬ريحانة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬بين‭ ‬جوانحهم،‭ ‬ممن‭ ‬يعيشون‭ ‬اغتيال‭ ‬الحسين،‭ ‬كمناسبة‭ ‬تاريخية‭ ‬وعقدية،‭ ‬هستيرية‭ ‬شوارعنا‭ ‬وأزقاتنا‭ ‬الكبرى،‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمة‭ ‬وتعنيف‭ ‬وتبخيس‭ ‬رموز‭ ‬الدولة‭ ‬والسلطة‭ ‬العمومية‭…‬

‬وما‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬طقسنة‮»‬‭ ‬ritualisation‭ ‬الفضاء‭ ‬العام،‭ ‬بصور‭ ‬العنف‭ ‬والهجوم‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬ممثليها‭ ‬من‭ ‬حفظة‭ ‬الأمن‭ ‬والمحافظين‭ ‬عليه؟

ما‭ ‬معنى‭ ‬تكسير‭ ‬السيارات،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬فوضى‭ ‬أخرى‭ ‬تروم‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الدولة؟‭ ‬

وما‭ ‬معنى،‭ ‬ترويع‭ ‬الناس،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬انفلات‭ ‬متوحش‭ ‬يروم‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع،‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بذلك،‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تركيع‭ ‬الجميع،‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬ملتبسة‭ ‬ومتلبسة،‭ ‬وتحت‭ ‬أقنعة‭ ‬أخرى،‭ ‬غير‭ ‬تلك،‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬نرتبها‭ ‬ونصنفها‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬حماية‭ ‬القانون‭ ‬والشارع‭ ‬العام؟
ثم‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬يتنفس‭ ‬آخرون‭ ‬البارود‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يحتمي‭ ‬آخرون‭ ‬فيه‭ ‬بأقل‭ ‬التحركات‭ ‬لكي‭ ‬يحفظوا‭ ‬بلادهم‭ ‬من‭ ‬العدوى‭ ‬والعودة‭ ‬القاتلة‭ ‬للجائحة؟

الطابع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كما‭ ‬الطابع‭ ‬الرمزي‭ ‬أو‭ ‬الطابع‭ ‬العقدي‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬عاشوراء،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمنعنا‭ ‬من‭ ‬إخضاع‭ ‬سلوك‭ ‬مجتمعي‭ ‬لقراءة‭ ‬قانونية،‭ ‬وأخرى‭ ‬قيمية‭ ‬وثالثة‭ ‬سوسيولوجيا‭ ‬عن‭ ‬تحولات‭ ‬العنف،‭ ‬وموازين‭ ‬الثقة‭ ‬واختبارات‭ ‬المواطنة،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬يتراجع‭ ‬فيه‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬ممارساته‭ ‬الدينية،‭ ‬من‭ ‬صلاة‭ ‬وحج‭ ‬وتجمعات‭ ‬تصوفية‭ ‬وغيرها‭…‬

لهذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بالتوبيخ‭ ‬البيداغوجي‭ ‬الطارئ،‭ ‬ولا‭ ‬تنفس‭ ‬الصعداء‭ ‬بأننا‭ ‬تجاوزنا‭ ‬ليلة‭ ‬ملطخة‭ ‬بالمعتقدات‭ ‬المنفلتة‭…‬

أبدا،‭ ‬فعيد‭ ‬الأضحى‭ ‬أيضا،‭ ‬لنتذكر،‭ ‬كان‭ ‬مناسبة‭ ‬لانفلات‭ ‬التطاحن ساكنة‮ ‬أرض-أرض في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬المفرقعات‭ ‬والنيران‭ ‬تم تأجيج‭ ‬شهوة‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬جرح‭ ‬الدولة‭ ‬وتجريحها‭…‬

Loading...