الإطار الدستوري والزمكاني للخطاب الملكي:
لأول مرة يلقي جلالة الملك خطاب الموعد الدستوري عن بعد حسب الفصل 65 من الدستور الذي يمنح الملك صلاحية رئاسة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى وذلك بحكم الظروف الاستثنائية، والمتسمة بصيغة مختلفة وهي ظروف عصيبة ومليئة بالتحديات، خاصة في ظل آثار الأزمة الصحية، التي يعرفها المغرب والعالم. وتتقاطع الظرفية مع السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية.
أهمية وتحديات السنة التشريعية :
تمثل هذه السنة امتحان سياسيًا وتحديا لمواجهة الناخبين بعد إعداد الحصيلة البرلمانية وهو ما يتطلب المزيد من الجهود، لاستكمال العمل التشريعي في أحسن الظروف، واستحضار ما سيقدمه ممثلي الأمة للناخبين في الاستحقاقات القادمة.
خصوصًا وأن الأزمة ما زالت مستمرة، بانعكاساتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. وكذلك دعى جلالة الملك الى اليقظة و الدعم الصحي والتحلي باليقظة وأخذ التدابير اللازمة والالتزام، للحفاظ على صحة وسلامة المواطنين كامر مهم خصوصًا دعم القطاع الصحي وتقوية الحماية الاجتماعية.
انعكاسات الأزمة الصحية على السياسات العمومية:
لقد أبانت الأزمة الصحية عن مجموعة من الاختلالات ومظاهر العجز في ادوار الدولة، و تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني والتشغيل.
مرتكزات برنامج عمل المرحلة وخطة إنعاش الاقتصاد:
تتطلب الظرفية بذل المجهود لإنعاش الاقتصاد، وتنزيل مشروع كبير لتعميم التغطية الاجتماعية، والذي لا يستثني أي مواطن، واعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وإصلاح القطاع العام، والتوجه نحو المشاريع الكبرى التي ستساهم في تجاوز آثار الأزمة، وتوفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الجديد، الذي ينتظره المواطنون.
كما تهدف خطة إنعاش الاقتصاد القفز بنقطتي من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، خاصة نسيج المقاولات الصغرى والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار، وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
منهجية تنزيل الأوراش:
لتحقيق الأهداف يجب تنزيلها في إطار تعاقد وطني بناء، بين الدولة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، من أجل ضمان شروط نجاحها، انطلاقا من تلازم الحقوق والواجبات.
صندوق محمد السادس للاستثمار والضامانات المالية المقدمة:
تدل الجهود المبذولة لدعم المقاولات، من خلال آلية القروض المضمونة من طرف الدولة، عن استفادة ما يزيد عن 20 ألف مقاولة مغربية، بما يقارب 26 مليارا و100 مليون درهم. وهو ما مكن هذه المقاولات، من الصمود أمام هذه الأزمة، وتخفيف حدة آثارها، ومن الحفاظ على مناصب الشغل، الشيء الذي يفرض على القطاع البنكي، وصندوق الضمان المركزي، و المقاولات والجمعيات المهنية مواصلة الجهود.
المرتكز المالي الاستراتيجي لخطة إنعاش الاقتصاد:
يعتبر احداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي، تحت إسم ”صندوق محمد السادس للاستثمار“. توجهًا ماليا استراتيجيا للتحكم في تنشيط الاقتصاد ، والنهوض بالإستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الانتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص.
ولتوفير الظروف الملائمة لقيام هذا الصندوق بمهامه، على الوجه الأمثل، فقد تم تخويله الشخصية المعنوية، وتمكينه من هيآت التدبير الملائمة، وأن يكون نموذجا من حيث الحكامة والنجاعة والشفافية ، وسوف ترصد له 15 مليار درهم، من ميزانية الدولة، بما يشكل حافزا للشركاء المغاربة والدوليين، لمواكبة تدخلاته، والمساهمة في المشاريع الاستثمارية، دعما لخطة الانعاش، وتوسيع أثرها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وتتحدد تدخلاته على صناديق قطاعية متخصصة، والمجالات ذات الأولوية، التي تقتضيها كل مرحلة، وحسب حاجيات كل قطاع كإعادة هيكلة الصناعة، والابتكار والقطاعات الواعدة، والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية، والفلاحة والسياحة.
احتلال الفلاحة والتنمية القروية، الأولوية ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي:
ففي الظروف الحالية، يتعين دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية. وهو ما سيساهم في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقا للاستراتيجية الفلاحية الجديدة.
وتشكل عملية تعبئة مليون هكتار، من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق، رافعة أساسية ضمن هذه الاستراتيجية.
ويقدر حجم الاستثمارات المنتظرة، في إطار هذا المشروع، بما يقارب 38 مليار درهم، على المدى المتوسط. وهو ما سيمكن من خلق قيمة مضافة، لتمثل حوالي نقطتين إضافيتين سنويا، من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل، خلال السنوات القادمة.
الشباب القروي محور الاستثمار الفلاحي.
يجب تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات، المرتبطة بالفلاحة، خصوصا وأنه هناك حرص دائم من طرف جلالة الملك على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين.
تعميم التغطية الاجتماعية رهان الدولة الاجتماعية:
إن دعوة جلالة الملك لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، ينم عن الوعي بأهمية هذا المشروع الوطني الكبير والغير مسبوق، والذي يرتقي بالمواطنين الى مستوى مواطني الدول التي تجاوزت التخلف الاجتماعي بحيث يرتكز على أربعة مكونات أساسية:
تعميم التغطية الصحية الاجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج.
تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة.
توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش.
تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.
آليات النهوض بهذا المشروع الاجتماعي:
يعتبر التشاور الواسع، مع جميع الشركاء، واعتماد قيادة مبتكرة وناجعة لهذا المشروع المجتمعي، في أفق إحداث هيأة موحدة للتنسيق والإشراف، على أنظمة الحماية الاجتماعية آليات مهمة لانجاح المشروع الوطني الكبير اضافة الى آليتي الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
رد الاعتبار للقطاع العمومي ومؤسسات الدولة:
تفرض الظرفية أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها، وهو ما يفرض القيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لهذا القطاع، مع التركيز على الوكالة الخاصة بالتدبير الاستراتيجي التي ستشرف على مساهمات الدولة، وتتبع أدائها.
العقد الاجتماعي الجديد اطارا لتغيير العقليات المعيقة للإصلاح:
يفرض نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية ، مما يفرض على الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية.
التعبئة الوطنية أساسية لرفع التحديات:
إن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، تتطلب تعبئة وطنية شاملة، وتضافر جهود الجميع، لرفع تحدياتها والارتقاء الى مستوى تطلعات المواطنين.
واعتبر جلالة الملك هذا الموعد الدستوري الهام، مناسبة لدعوة كل المؤسسات والفعاليات الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي والمسؤولية المشتركة.