صلاح بوسريف
ما لم نغير فهمنا للشعر، ورؤيتنا له، وطريقة قراءته وتأمله، من خلال مجموع الدوال والعلامات والرموز التي يقترحها علينا، والنظر إلى العمل الشعري في سياقه الفني الجمالي، لن نغير أسئلتنا عنه، بل سنظل نراوح نفس المكان، نعود في طرح السؤال إلى نفس ما كان، وكأن ما نقرأه من شعر اليوم، هو نفس ما قرأناه بالأمس.
لا بد أن نقرأ الشعر، اليوم، باعتباره تجارب فردية. ما يضيفه ويقترحه من اختراقات، لن نراها، ما لم نخرج من أسئلتنا القديمة، التي لا نفتأ نعود إليها دون طائل، لأنها، في مقاربة هذه التجارب، لن تكون سوى طحن قرون، كما يقال، خصوصا حين نذوب الواحد في الكل.
الشعر العربي المعاصر، لم يعد يحتمل أن نتركه يستعيد نفسه، في نفس النماذج، بنفس الدوال، وبنفس البنيات والمفاهيم والتسميات وطريقة البناء، ونفس النماذج أو الأشخاص، لأننا، بهذه الرؤية، نحول الشعر إلى خشبة شربها الماء، روحه تطفو بلا اتجاه، مثلما حدث مع “القصيدة”، التي بقيت هي الشعر لقرون عديدة، لا يد جرؤت على تحريك مائه، كل هذا الزمن.
هل سنعيد نفس التجربة، بتكريس الماضي، بالاستعادة والاجترار، وبما في يدنا من مفاهيم وتصورات وأدوات، لم تجدد نفسها، أسئلتها هي نفسها، وكأن لا شيء جرى في هذا الشعر المعاصر، إلا ما كان، و ما مضى، وكأن الحاضر، لا مستقبل له، أو أننا، في غفلة من وعينا، نعيد قولة الماضين “ليس في الإمكان أبدع مما كان” .!؟
هنا يبرز خطر المدرسة والجامعة، والمؤسسات عموما، على الشعر، فهي تؤطر، تسيج، وتخلق الأمثلة والنماذج، أو الأقفاص، ليسهل عليها جعل النافر تابعا، ما جعل السؤال في المدرسة والجامعة، ومؤسسات ما نسميه، بالبحث العلمي، منعدما، أو هو سؤال مضى تسقطه على ما هو آت، أو سؤال جوابه موجود قبل طرحه. كما أنها لا ترى في مثل هذا الشعر ما يصلح لها، لأنه يجري خارج سياقها، وهو سير بعكس الريح، لأنه طريق، بل زرقة وأفق.