الدوخة الإسبانية في فهم الديار المغربية – الأستاذ مانويل طوريس أغيلار نموذجا

عن موقع برلمان كوم ؛ الكاتب -عبد العزيز الطريبق نشر في 26 ماي 2021-     
اطلعت على ملخص لمقال أستاذ جامعي إسباني، مانويل توريس أغيلار (Manuel Torres Aguilar)، حول الأزمة الأخيرة التي خلقها سلوك إسبانيا الأرعن اتجاه المغرب، الصديق والحليف المفترض. أثار الملخص، المنشور في موقع مغربي، فضولي فبحثت عن المقال الأصلي ووجدته في موقع The Conversation.com الرقمي الأسترالي( بتاريخ 19 مايو 2021)، وهو موقع يقدم نفسه كموقع “رصين” مخصص لإسهامات أساتذة جامعيين. لا يمكن طبعا الحكم على مستوى الموقع من مقال واحد، خصوصا إن كان في مستوى أستاذنا الإسباني هذا… أظهر أغلب الصحافيين الإسبان سطحيتهم في معالجة الأزمة التي خلقتها بلدهم، وانحياز فاضح لبلدهم رغم خطأ حكومته “العالم-ثالثي”. قلنا هم صحافيون سطحيون في الأصل وقد ابتلوا بالبرامج التافهة (Tertulias) أو بما تزودهم به وكالة أنبائهم، أو بالنسبة “لأشطرهم”، “مصادرهم” المغربية المنتقاة بعناية نظرتهم الاستعمارية المتعالية…

أستاذ جامعي “مصبن”
وقد ذهلت، في الحقيقة، وأنا أطلع على سيرة الرجل الذاتية (كما يوفرها العم غوغل) ويضيع مني النفس في متابعة اللائحة الطويلة لمؤلفاته، كما صعب علي حصر عدد المواقع والجرائد التي تطرقت لموضوعه هذا وقدمته باختصار لقرائها. وسبب ذهولي هو أنني وجدت “تحليلا” لا يتعدى مستوى “تحليل” مناضل مبتدأ في حلقة من الحلقات اليسارية لأيام السبعينات. وفهمت بالمناسبة لماذا اعتبرت الجارة الشمالية بأن تخلي “المخازنية” المغاربة ليوم واحد عن حراسة شاطئ باب سبتة كبداية، ربما، لمسيرة جديدة لتحرير المدينتين السليبتين (وهناك من سمى ذلك ب”المسيرة السوداء” أو “الزرقاء”). فإن كان أستاذ جامعي متخصص في تاريخ القانون وفي المؤسسات وووو… ينتج مثل هذا الهراء فمن الطبيعي أن تقع الدبلوماسية الإسبانية في أخطاء المبتدئين… وبالمناسبة، أو حتى بدونها، نشرت جريدة أ ب س ABC الإسبانية (في عددها ليوم 24 مايو 2021) خبر طعن مهندس إسباني في دكتوراه الدولة التي حصل عليها رئيس الحكومة الإسبانية سنة 2012 ومطالبته بسحبها، وإن صح هذا الخبر، فقد نعذر سانشيز مادام مثل “أستاذنا”، مانويل توريس أغيلار، يدرس بالجامعة هناك…
يفتتح الأستاذ مقاله قائلا بأن المغرب جار شديد التعقيد فرضته الجغرافية على إسبانيا (والعكس صحيح يا أستاذ) وكثيرا ما أثرت شؤونه في السياسة الإسبانية. ولا يرغب الأستاذ “الجليل” في العودة تاريخيا إلى كارثة أنوال وألفونسو 13 والعسكر الإسباني “أفريكانيستاس” (Africanistas) والذين سيوفرون أقسى قياد جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية… لا، “أستاذنا” سينطلق فقط من سنة 1975 أي من “المسيرة الخضراء” (وهي عقدة جديدة أضيفت للوعي السياسي الإسباني الجمعي تشبه الهزيمة في حرب الفليبين وكارثة أنوال)!
لماذا ابتدأ “أستاذنا” من 1975؟ لماذا لم يعد لأصل المشكل ألا وهو التوسع الاستعماري الإسباني وتخريبه للعديد من البلدان ومنها المغرب (الاتفاقيات الاستعمارية الدولية المشؤومة أواخر القرن 19 وبداية القرن 20)؟ هل خاف من إثارة ثورة الشيخ ماء العينين وارتباطه ببلده المغرب؟ ولماذا تفادى الانعراج نحو كارثة أنوال والمذابح التي ارتكبها الجيش الإسباني هناك في الريف المغربي؟ من الواضح أن الأستاذ المتخصص في تاريخ القانون يوظف “علمه” فقط في مصلحة بلاده ولبلورة مفهوم ضبابي مثل التسمية التي يطلقها عليه، أي “المنطقة الرمادية”.
يصرخ الأستاذ (وكان عمره 12 سنة أيام محكمة لاهاي والمسيرة الخضراء) بأن المغرب زحف نحو أرض لم تكن تنتمي له أبدا سواء في سنة 1975 أو قبلها أو بصفة مطلقة. حجة الأستاذ في هذا المقال “الرصين” و”العميق” (عمق حنقه الاستعماري) الموجه لجمهور لا يعرف بالضرورة طبيعة الملف، حجته هي كلامه هو، تأكيداته الشخصية، والسلام. قالها الأستاذ، باسطا !

يتامى فرانكو
من مفارقات النخب الإسبانية بيمينها ويسارها (ومن بينهم صحافييها بسطحيتهم مادام مستوى تلك النخبة “على قدو”) هو أنهم يتأسفون، تقريبا، على موت فرانكو في تلك الفترة ويعتبرون ذلك هو سبب خروج الصحراء من بين أيديهم. وكأن إسبانيا، آنذاك، لم يكن بها ساسة (ومن بينهم برزت شخصيات من حجم أضولفو سواريس فيما بعد) ولا “دولة عميقة” تضمن استمرارية مصالح المجموعة الإسبانية ولا مفكرين ولا غيرهم… فقط فرانكو، فهل كانت إسبانيا عبارة عن قبيلة يسيرها “غورو” وليست دولة قائمة الذات؟
إسبانيا يا أستاذ، لعبت كل أوراقها آنذاك للبقاء في الصحراء بشكل من الأشكال، ولو تطلب الأمر منها خلق “دويلة” تابعة لها، وكانت مراهنتها على “الجماعة” كبيرة (لكن خاطري ولد سيدي سعيد الجماني فضل الالتحاق ببلاده الأصلية) وعلى خلق نخبة تتحكم فيها. لكن رياح التاريخ لم يغيرها حتى التدخل الجزائري العملي في الصحراء، واستناده على الأشقاء السوفيات وغيرهم من زعماء الكارطون وقتها… وعادت الصحراء لوطنها الأم.
والأستاذ بكلامه عن الضعف السياسي لإسبانيا (من ضعف فرانكو الصحي) يتناسى بأن بلده وقعت، وقتها، على الاتفاقية الثلاثية مع المغرب وموريطانيا بعدما ناقشت مصالحها بكل القوة الممكنة وبعدما انتزعت تنازلات لم تكن لتحققها لو تركت هناك “دويلة” من صنعها. فليعد الأستاذ للاتفاقية الثلاثية ولملحقاتها السرية التي كشفتها مجلة “إنترفيو Inteviu” فيما بعد. ورغم صغر سنه وقتها فالأنترنيت يوفر حاليا كل المعلومات، يكفي بعض البحث أستاذنا…
ما يسميه الأستاذ مانويل توريس أغيلار ب”المنطقة الرمادية” لم يكن سوى سياسة حكيمة، من طرف المرحوم الحسن الثاني، قصدها حقن دماء الإسبان في حرب لا معنى لها وتمكينهم من مغادرة الصحراء مع المحافظة على ماء الوجه (الديكتاتوريات كانت تسقط تواليا في أوروبا ومعها مستعمرات بعضها كالبرتغال مثلا). ولتذكير الأستاذ “الجليل”، فالحسن الثاني لم ينظم مسيرات مماثلة نحو المدينتين السليبتين رغم ما تسميه سيادتكم “ضعف إسبانيا” وقتها. فالمرحوم الحسن الثاني كان يشبه السياسة بمواسم جني الفاكهة، “حتى تطيب”…
ثم يدخل الأستاذ في لخبطة كبيرة حول الدور الأمريكي في تقوية الموقف المغربي في الصحراء، وينطق وكأن موقف ترامب كان حاسما في الأمر. متناسيا بأن المغرب قاوم لوحده (تقريبا، مسنودا بالدعم العربي الخليجي ثم الفرنسي في مراحل معينة) لمدة طويلة. خصوصا والأستاذ يربط التدخل الأمريكي مرة ثم أخرى بالاعتراف المغربي بإسرائيل، وكأن هذا “الاعتراف” قد غير معطى ما استراتيجيا في الشرق الوسط (ولا يتورع في الكذب عن صمت المغرب عما جرى على الأرض الفلسطينية في المدة الأخيرة)، ويتكلم وكأن إسبانيا توجد في الصف الأمامي لمحاربة إسرائيل منذ الأزل (لم نسمع لها صوت بالمرة، تاريخيا، خارج الاعتراض على العديد من مشاريع القرارات المدينة لاسرائيل في المحافل الدولية).
لعلم أستاذنا فالعلاقات الدبلوماسية المغربية-الأمريكية أقدم بكثير من العلاقات الدبلوماسية بين بلدك والولايات المتحدة، وإن كان المسؤولون الأمريكيون يتحدثون إلى المسؤولين المغاربة و”يتجاهلون” مسؤوليكم (في نظركم)، فلأن حكومتكم الموقرة الحالية عادت لمرحلة المراهقة السياسية و”التحنقيز” في زمن لم يعد يقبل بذلك. عانى المغرب كثيرا مع جامس بيكر وغيره من المبعوثين الأمريكيين للصحراء. صمد في البداية لأن الأنياب السوفياتية كانت حاضرة في الجبهة الأخرى ولم يكن لأمريكا، ومعها أوروبا الغربية، أن تغامر بضياع هذا الجزء من مضيق جبل طارق. كيف لأستاذ تاريخ القانون أن يجهل هذا؟ ثم صمد المغرب في الميدان وتقدم في الإقناع بموقفه، عبر عمله الدؤوب في مناطقه الصحراوية (حربيا واقتصاديا…) وأبرز للعالم بأن تنظيم استفتاء هناك بالمفهوم الأممي هو ضرب من العبث لتلاعب البوليساريو(ومن ورائها الجزائر التي لها أطماع استعمارية في الصحراء والتي ترغب في ترك الصحراء كحجرة في حذاء المغرب) خلال عملية إحصاء من له الحق في المشاركة في الاستفتاء… إلى أن جاء مقترح الحكم الذاتي الموسع الذي لقي رضا العديد من دول العالم، في عالم تغيرت أولوياته ومعها العقلية الجيو-سياسيةـ إلا من نظام العسكر المتحجر ومن العقيدة السياسية الإسبانية المتكلسة في “منطقة سوداء” قوامها “موروس إن لا كوسطا” (أي الخطر المغربي القادم من وراء البحار). ومن المضحك حقا أن يتكلم أستاذ تاريخ القانون عن عدم تطبيق المغرب لمقتضيات القانون الدولي ودولته، إسبانيا، تشكل آخر دولة مستعمرة لمدن إفريقية (مغربية)، كما هي مضحكة حججهم حين يدعون بأن المدينتين المحتلتين كانتا إسبانيتين قبل ظهور المغرب كدولة (وطبعا فالمغرب لم يظهر بالنسبة لبعضهم سوى سنة 1956 أو بالنسبة للأسخياء منهم سنة 1912). أما “المورو” الذي عمر إسبانيا لمدة ثمانية قرون فربما جاء من المريخ، أو “كانوا غير دايزين وتلاقاو تما” …

سبتة ومليلية ليستا أولوية
المغرب، سيدي الأستاذ، له تصوره لموضوع سبتة وهو مرتبط في عقيدته السياسية بحل أشمل لنقط الخلاف بمضيق جبل طارق، ومنها وضعية بريطانيا في صخرة جبل طارق. لا داعي “للزربة ! وبطبيعة الحال، فالمغرب قرر منذ مطلع الألفية الحالية الاهتمام بمناطقه الشمالية، تلك المناطق التي كانت تعتبرها العقلية السياسية الإسبانية (المنفوخة بنفس استعماري فاسد) كخلفية وامتداد لها، تعيش من فضلات التهريب ومن كل أنواع المحظورات التي يستفيد منها الاقتصاد الإسباني، بل حتى المافيات الإسبانية المتنوعة. أن يقود هذا الاهتمام إلى الخنق العملي لمدينتي سبتة ومليلية فهذا أمر يدخل في باب “الأضرار الجانبية” ويهم الإسبان ولا يهم المغرب في شيء، إذ عليهم أن يتحملوا لوحدهم عبأ تدبير مواردها.
تحتلون مدن المغرب وتبنون ازدهارها على تهريب للسلع يخرب اقتصاده ويفسد العلاقة ما بين مواطنيه وإدارتهم، وفوق هذا وذاك تطلبون منه أن يحرس ما تسمونه ب”حدودكم” حتى وأنتم تستخفون به وتعاملونه بعدوانية لا مثيل لها في التاريخ الإسباني الحديث…
الجهل الفظيع بالعقلية السياسية المغربية، بل حتى بنوعية الأوضاع الاجتماعية بالبلاد ومزاج المجتمع المغربي، ربما لاكتفاء “سبيات” الإسبان و”عيونهم” هنا بما يروج في الإعلام المغربي (وهو إعلام متنوع وله ديناميته الخاصة) وبما تزودهم به بعض الأصوات الحانقة، أو ربما بسبب العجرفة في التعامل داخل خطوط التماس، هنا، رغم توسع التواجد الاقتصادي الإسباني (واعتقادا من البعض بأنه في “مهمة حضارية” وليس ضمن معاملة رابح-رابح)؛ هذا الجهل (يدعمه التفكير السطحي لأستاذ من حجم صاحبنا هذا) هو الذي يقود إلى مثل الأخطاء البدائية الحالية المرتكبة من طرف الحكومة الإسبانية.
كيف لبلد يقول عنه بونو (ماشي ياسين بونو طبعا فهو يدافع فقط عن مرمى فريقه) وزير الدفاع الإسباني السابق بأنه استطاع تمكين إسبانيا من تفادي العديد من العمليات الإرهابية، كيف لهذا البلد الذي تمتد عيونه لترعى حياة الإسبان هناك، كيف له أن يجهل دخول سمكة من حجم بن بطوش لإسبانيا؟ وهنا كان من الحري بأستاذنا، المدافع عن بلده (ولو طارت معزة) أن يسائل مسؤولي حكومته عن سبب هذا السلوك الأرعن ولماذ غامروا بسمعة بلادهم “خوفا” من بلد صغير أو من باب احتقاره.
هذا أستاذ هو سبب تغاضي المغرب عن حماية مداخل باب سبتة الشاطئية، ليوم واحد، وليس إستراتيجيتك المسماة ب”المنطقة الرمادية”… إسبانيا في حاجة إلى تغيير عقليتها السياسية وغيرها اتجاه المغرب، فقد يكون شريكا جد مفيد وعليها أن تتخلص من تعاليها الاستعماري الذي اتخذ هذه المرة مسحة يسارية متطرفة تقرب إسبانيا أكثر من عقلية “تشافيز” إلى عقلية أوروبا…
استقبلتم مهاجرا سريا بأوراق مزورة فارتأى المغرب إرسال “مخازنيته” للراحة، هذا كل ما في الأمر. أخرجتم جيشكم من راحته التي يمولها الاتحاد الأوروبي وكذلك شرطتكم البلدية والوطنية وحرسكم المدني للعمل (وتعنيف القاصرين ورميهم في البحر بدون شفقة وكأنهم غزاة وليسوا مهاجرين معيشيين)… مزيان، ما حك جلدك…
هذا هو المشكل أستاذنا فدع عنك تصوراتك الضبابية حول “المناطق الرمادية”، وكأنك تفضل أن يخرج المغرب لمبارزة إسبانيا، مرة واحدة، على طريقة الكيخوطي وطواحينه الهوائية.

رابط مقال موقع برلمان كوم

https://www.barlamane.com/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AE%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8/

رابط المقال:
https://theconversation.com/el-polvorin-de-marruecos-la-debilidad-de-espana-y-el-campo-de-minas-del-sahara-161208

Loading...