الرفاق والحياة والموت

يوسف خليل السباعي

يقول دوستويفسكي:”…حقا يا رفاق! لماذا نبقى هنا؟ ماذا نفعل هنا؟ إننا نحيا بلا حياة، إننا أمواتٌ بغير موت”.

من يخاطب دوستويفسكي في هذه الشذرة؟!… لا نعرف بتاتا. وفي أي لحظة قالها أو كتبها؟!… هل هذا هو دوستويفسكي الذي كتب العديد من الروايات التي “تقرأ!” حتى اليوم باللغة العربية مترجمة، أم أنه قالها في لحظة انفعال؟!… هل دوستويفسكي متشائم إلى هذا الحد، ولايروقه في الحياة أي شيء؟!… ثم، إن الحياة مطلقة… غير محددة. إنها مالانعرفه. إن الحياة هنا مجردة. حياة من؟!… وأي حياة؟!… لانعرف شيئا حتى الآن. وإذن، لابد لدوستويفسكي الذي مر بالكثير من المعاناة جسدانية وفكرية أن يجعل مخياليا من الحياة سببا في العذاب والشقاء والبؤس. إنها نظرة وجودية زحلية. إن الحياة هنا لا يمكن فهمها إلا بالموت الذي ليس في الحقيقة موتا، أوميتة، وإنما هو حياة من نوع آخر: حياة عدمية.

إن دوستويفسكي يخاطب “الرفاق”… ولا شيء في ذلك يحدد من هم هؤلاء “الرفاق” طالبا منهم المغادرة، والرحيل: أي التبديل والتغيير: حيث كل هذا يعني الطريق وخلق المسافة، وليست المسافة إلا نوع من المأساة، والابتعاد والهروب.

إن كل هذه العبارات لا يمكن فهمها إلا في المسافة والتباعد ورفض كل ما يسبب الفشل والإحباط والمعاناة.

إن دوستويفسكي يجعل من سلبية ما في الرفاق والحياة والموت حضورا للوعي وتجلي له ليجعل منه تحريرا للإنسان من الواقع المزيف والملوث إلى واقع آخر أكثر نقاء وحرية.

إن كل هذه العبارات تجعل من الوعي سيرورة وصيرورة. كما تجعل منه طريقا صوب أفق شمسي ضد الخراب والموت والظلام.

Loading...