شيء من ذاكرة تطوان الثقافية الرياضية

بقلم ؛ الدكتور مصطفى المرون- الصور: الأستاذ مصطفى العاقل

كانت تطوان تحتضن منذ فترة الحماية الإسبانية إلى غاية أواخر السبعينات، وخلال نهاية السنة الدراسية، حدثا ثقافيا رياضيا ومدنيا فريدا، وهو المتمثل في المهرجان المدرسي السنوي. أتذكر كيف كان سكان تطوان، والمؤسسات التعليمية، والنوادي الرياضية، بل حتى المؤسسات الرسمية (الوقاية المدنية) تتأهب جميعها للمشاركة في هذا الحدث الكبير.
في اليوم الموعود، تكون تطوان مستعدة بكافة شرائحها، نساء ورجالا، بناتا وذكورا، شبابا وشيوخا، أغنياء وفقراء لا يلهيها شيء سوى الذهاب إلى ملعب لامبيكا (ملعب سانية الرمل) لحضور هذا المهرجان أو المشاركة فيه.


كانت جميع المدارس الابتدائية تستعرض قدراتها التنظيمية، وفعالياتها الرياضية تتنافس فيما بينها للحصول على اللقب. كما أن بعض الرياضيين التطوانيين الكبار، كمحمد الوهراني في الجمباز، والمرحوم أحمد التركي، وشبان واعدون في مختلف الرياضات يقومون باستعراض مهاراتهم.


من بين أحسن ما علق في ذاكرتي، هي المشاركة المتمزية لقوات الوقاية المدنية، التي كانت مناسبة لها خلال هذا التجمهر الحاشد، استعراض خبراتها وتقنياتها وعتادها من آخر طراز، وذلك في قالب من الفرجة الممتعة، إذ، أتذكر مرة، تم وضع خيمة داخل الملعب فيها رجل قروي مع زوجته، التي لم تعرف كيف توقد قارورة الغاز، فاشتعلت النيران في الخيمة، وحار القروي كيف يطفئ قارورة الغاز، في أسلوب من الضحك والفرجة، لتتدخل الوقاية المدنية بآليتها وعتادها لتسيطر على النار وإبطال فعالية قارورة الغاز التي كانت في ذلك الوقت قد تسببت في حدوث العديد من المآسي، وسط تصفيقات الجمهور وزغاريد النساء.


وفي مهرجان آخر، عندما كنا بالملعب نشاهد استعراضات مدرسية ورياضية، وإذ بنا نفاجئ من فوق، نزول عناصر من قوات الوقاية المدنية بحبال ممتدة من غطاء منصة المدرجات نحو أرضية الملعب وهي تنقل شخصا في حمالة، لتبين عن مهاراتها في التدخل العاجل أثناء الحوادث الجبلية أو حرائق العمارات، وشيء من هذا القبيل.
يشار إلى أن تكاليف المهرجان كانت تتحمله المؤسسات التجارية والشركات والبلديات والوزارات، كما أنه، عند نهاية المهرجان، كان الخليفة السلطاني خلال الحماية، والعامل (قبل أن يصبح بالمغرب الولايات) تسليم الجوائز على الفائزين.


كان مهرجان تطوان المدرسي فرصة للكشف عن المواهب الصاعدة، ومتنفسا للتلاميذ للترويح عن أنفسهم بعد سنة من الكد والدراسة، وخلق حب الطموح والمنافسة لديهم، والسكان، خلق فرصة للترويح عن النفس والتواصل مع الآخرين، وللمؤسسات الرسمية فرصة لتقريبهم من الشعب وطمأنته على استعدادها المطلق لخدمته، وهذا جميعه، خلق مجتمع منسجم تشوبه الثقة المطلقة على مستقبله ومستقبل أبنائه.

Loading...